والثاني: في "البيان": أن أبا جعفر الاستراباذيَّ -رحمه الله- قال: حقُّ الله تعالَى هو القرآن، قال الله تعالَى:{وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ}[الحاقة: ٥١] يعني: القرآن، والحلِفُ بالقرآن يمينٌ في صورة الإِطلاق، فكذلك ما نحن فيه، وأما انصرافه عن اليمين، إذا نوى به غير اليمين؛ فلاحتمال اللفظ له، وفي "التتمة": أنه لو قال: وحقُّ اللهِ، بالرفع، ونوى اليمين، فهو يمين، وإن أطلق، فلا، وإن قاله بالنصب، وأطلق، فوجهان وقد سَبَق نظير هذا في الحلف باسم الله، والذي أجاب به في "التهذيب": المنع في صورة النصب أيضاً، ولو قال: وحرمة الله، ففي النهاية حكايةُ طريقَيْن فيه:
أحدهما: أنه، كما لو قال: وحقِّ الله، وحرمةِ اللهِ؛ خلافَ ما أجاب به في الكتاب.
ومنها: لو قال: وقدرةِ الله، وعلم اللهِ، ومشيئةِ اللهِ، وسَمْعِ اللهِ، وبصَرِ اللهِ، فهذه صفات قديمة، فإذا قصد الحالفُ بها اليمين أو أطلَقَ، انعقدت يمينه، ولو قال: أردتُّ بالعلم المعلومَ وبالقدرةِ المقدور، قُبِلَ، ولم يكن يمينًا؛ لأن اللفظَ مُحْتَمِلٌ، كذلك يُقال في الدعاء: اغفر عِلْمَكَ فينا، أَي: معلومك، ويُقال: انظر إلى قدرةِ اللهِ تعالَى أي مَقْدُورِهِ، فيكون كما لو قال: ومعلومِ اللهِ ومقدورِ اللهِ وخَلْقِ اللهِ ورزقِهِ، وذلك ليس بيمين، وبمثله أجاب الإمامُ في إحياءِ اللهِ، ولو قال: وعظمةِ الله، وكبرياءِ الله، وعزته، وجلالهِ، وبقائهِ، فالحكَمُ كما في العلّم والقدْرة، ولم يفرقوا بين الصفات المعنوية الزائدة على الذات وغيرها، هذا هو المذْهَبِ الظاهرُ، ونُقِلَ الإِمامُ وراءه وجهين:
أحدهُما: إن الحَلِفَ بهذه الصفاتَ نازِلٌ منزلةَ قوله "بالله" بالرحمن، ونحوهما حتى لو قال: أردت به غير اليمين، لا يقبل ظاهراً.
والثاني: إن أراد غير اليمين، يُقبل في العلْم والقدرة؛ للاحتمال المذكور، ولا يُقبل في الجلال والكبرياء والعظمة؛ إذ لا يتخيل فيها مثلُ ذلك الاحتمال، وضعف هذا الوجه الفارق، فقال: قد يقول الإنسان عاينت كبرياء الله وعظمته، ويريد مثل ذلك، وعند أبي حنيفة قولٌ القائلِ "وعلمَ الله" ليس يمينًا، وقوله "وقدرة الله" يمينٌ، ولو قال: أردتُّ غير اليمين، لم يُقْبَلُ، وعن أحمد: القدرة مثله.
ومنها: لو قال: وكلام وكتاب اللهِ، انعقدت اليمين، كما لو حلف بالعلْم والقدْرة وبمثله أجاب صاحبُ "التهذيب" فيما إذا قال: وكتاب الله وقرآنِ الله، وإبراهيم المَرُوْزي -رحمه الله- فيما لو قال: والقرآنِ، وإنما هو مثبتٌ في المصْحَف، وقال الشيخ أبو سعد المتوَلّي في "التتمة": إذا حلف بالمُصْحَف، فإن قال: وحرمةِ ما هو مكتوبٌ فيه، فهو يمين، وكذا لو قال: وحرمةِ هذا المصْحَف؛ لأن احترامه؛ لما هو مكتوب فيه،