وإن أراد الرّقَّ والجلْدَ، لم يكن يمينًا (١) وإذا قال: والقرآنِ، وأراد غير اليمين، لم يكن يمينًا وقد يراد بالقرآن الخُطْبة والصلاةُ، وعند أبي حنيفةَ: قولُ القائل "وكلام اللهِ" ليس بيمين بحال، وتكلَّموا في سببه، قيل؛ لأن القرآن عنده مخلوقٌ وقِيلَ: لم يقل بخلِق القرآن، لكن قال: لا نعهَدُ الحلف به.
وقوله في الكتاب "فهو كناية على أحد الوجهين" لم يكن تفسير الكناية هاهنا بما يتوقَّف تأثيره على النية، بخلاف قوله قبله "فهو كناية" لأن الحلف بالصفات يمينٌ عند الإِطلاق، ولا يَتوقَّف على النية، ولا يوجد فيه خلافٌ في كتب الأصحاب -رحمهم الله- ويصح تفسيرها هاهنا بأنه ينصرف عن اليمين بالنية، وهو الوجه المشهور ويجيء فيه ما رواه الإِمام -رحمه الله- وقولهُ "وهنا الوجه في قوله: وجلالِ اللهِ، وعظمتِهِ، وكبريائِهِ" يعد إشارةٌ إلى الوجه الفارق بينها وبين العلْم والقدرة، ويجوز أن يعلَمَ قوله:"فهو كناية" بالحاء والألف؛ لما حكينا من مذهب أبي حنيفة وأحمد -رحمهما الله- أن اللفظ لا ينصرفُ عن اليمين بالنية في قوله:"وقدرة الله".
إحداهما: إذا قال: أقسم بالله، أو أحلف بالله أو أقسمت بالله، أو حلفت بالله، فله أحوال:
أحداها: أن يقول أردتْ بالأولِ الوعدَ بالحَلِف، وبالثاني الإِخبارَ عن حلفٍ ماضٍ، فيُقْبل في الباطن، وأما في الظاهر، فإن علم أن له يمينًا ماضيةً، قُبل قولُه: إني أردتها بأقسَمْتُ بلا خلاف، وإلا، فالنص أنه يُقْبَلُ قوله أيضاً في إرادة الوعْد أو الإخبار عن الماضي، فقال في "الإِيلاء": إذا قال: أقسمتُ باللهِ، لا وَطِئْتُكِ، ثم قال أردتُّ يمينًا
(١) قال النووي: لم يتعرض لما إذا قال: والمصحف، وأطلق، وهو يمين، صرح به بعض الأصحاب، وبه أفتى الإِمام أبو القاسم الدولعي خطيب دمشق، من متأخري أصحابنا، قال: لأنّه إنما يقصد به الحلف بالقرآن المكتوب ومذهب أصحابنا وغيرهم من أهل السنّة أن القرآن مكتوب في المصاحف محفوظ في الصدور، ولا يقصد الحالف نفس الورق والمداد، ويؤيده أن الشَّافعي رضي الله عنه، استحسن التحليف بالمصحف، واتفق الأصحاب عليه، ولو لم ينعقد اليمين، به عند الإطلاق لم يحلف به.