في زمانٍ ماضٍ، لم يُقبل قوله، وفيها ثلاث طرقٍ للأصحاب -رحمهم الله-:
أشهرها: أن في الإِيلاء وسائر الأيمان قولَيْن بالنقل والتخريج:
أحدهما: أنه لا يُقْبل قولهُ؛ لأن قول القائل: أقسمت بالله أو أُقْسِم باللهِ إنشاء يمينِ في العُرْف، والشرع، فلا يُقبل منه صرْفُه إلى الماضي، كما أن قوله:"أنت طالق" لِمَا كان إنشاءَ طلاقٍ لم يُقْبَل قوله إذا قال: أردت طلاقًا سابقًا.
وأصحُّهُما: وهو المذكور في الكتاب: القبول؛ لظهور الاحتمال.
والثاني: القطعُ بالمنع، وحمل ما ذكر هاهنا على القبول الباطِنِ.
والثالث: تقرير النَصَّيْن، والفرق أن الإيلاء متعلِّق حقِّ المرأة، وحقوق الآدميين ممَّا يضايَقُ فيه، وسائر الأيمان الحكْمُ فيها بالكفارة، وهي حقُّ الله تعالَى.
والثانية: أن يقول: أردت اليمين؛ فيكون يمينًا لا محالة.
الثالثة: أن يطلِقَ، فلا ينوي شيئاً، وهل يكون يمينًا، والحالة هذه؟.
أطلق مطلقون؛ منْهم أبو يعقوب الأبيوردي فيه خلافاً، ثم منْهم من يقول: وجهان، ومنهم من يقول: قولان، ويوجَّه المنْعُ بأن صلاحية "أقسمْتُ" للماضي، "وأُقْسِم" للمستقبل ظاهرةٌ فلم يأت بلفظ صريح في الإِنشاء، ويوجه كونه يمينًا بأن العُرْف مُطَّرِدٌ باستعمال اللفظين في إنشاء اليمين، وذكر جماعة في كيفية تولُّد هذا الخلافٍ، منْهم القاضي ابنُ كج وأبو بكر الطوسيُّ -رحمهما الله- أن ظاهر نصه في "الأيمان" أنه ليس بيمين عند الإِطلاق، ونص في "الإيلاء" على أنه يمينٌ، فتصرف فيهما متصرِّفون بالنقل والتخريج، وفَرَق فارِقُون بمثَل ما سَبَقَ في الحالة الأُولَى، والأصحُّ من الخلاف عند الإِمام أنه ليس بيمين، وبه أجاب الصيدلانيُّ، وعند المعْظَمِ: أنه يمينٌ، ولم يتعرض كثيرون لحكاية الخلاف فيه، وعن بعض الأصحاب: أنه لا فرْقَ بين قوله: "أقسمت" فلم يجعله صريحاً عند الإِطلاق، وبين قوله:"أقسم" فجعله صريحًا، وهو ضعيف (١).
الثانية: إذا قال: أشهدُ بالله أو شهدِتُّ بالله، فإن نوى اليمين، فهو يمين، وقد ورد الشرع بهذه اللفظة بمعنى اليمين؛ قال تعالَى:{قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}[المنافقون: ١] والمراد نَحْلِفُ، ولذلك قال تعالى على الأَثَرِ:{اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً}[المنافقون: ٢] وإن أراد غير اليمين، فلا يكون يمينًا، وهذا قد يكون لإِرادة غير القسم؛ بأن يريد الإِيمان بالله تعالَى والشهادة بوحدانيته، وقد يكون لإِرادة الوعد
(١) قال النووي: لو قال: أليت أو أؤلى، فهو كحلف أو أحلف ذكره الدارمي. وهو ظاهر.