للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإخبار عن الماضِي مع إرادة القَسَم، كما ذكرنا في قوله: "أقسم باللهِ وأقسمت" وإن أطلَق، ففيه طُرقٌ:

أشهرها (١): أن في كونه يمينًا وجهين: وجهُ كونِهِ يمينًا ورود الشرع بالشهادة بمعنى القَسَم؛ قال تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: ٦] واللعان يمينٌ، ووجه المنع: أنَّه لم يطرد به عرف اللغة ولا الشَّرعِ، ويحتمل أن يريد؛ أشهد بوحدانية الله تعالَى، ثم يبتدئ؛ لأفعلَنَّ كذا، على هذا ينطبق كلامُ الكتاب؛ فإنه قال في "أقسم أو أقسمت": "إن مطلقه ينزل على اليمين على أحد الوجهين"، ثم قال: "وكذلك قوله: أشهد" فأشعر العطْفُ بطرد الوجهين، لكنهم رجَّحوا هاهنا الوجه المذاهب إلى أنه ليْس بيمين، لتردُّد الصيغة بخلاف صنيعهم في قوله: "أُقْسِم وأقسمْتُ".

والثاني: عن أبي إسحاق: القطع بأنه يمينٌ.

والثالث: عن أبي الطيب بن سلمة: القطْع بأنه ليس بيمين، ونسبه الإِمام إلى العراقيين. ولو قال: أعزم بالله أو عزمت بالله، لأفعلن، لم يكن ذلك يميناً، ولا ورد الشرع به، لكن، إن نوى به اليمين، فهو يمين؛ لاحتمال أن يريد الإِخبار عن عزمه، والحَلِف على المعزوم عليه.

ولو قال: أُقْسِم، أو أقسمْتُ، أو أحلفُ، أو حلَفْتُ أو أَشْهَد أو شَهِدتُّ أو أعزِمُ أو عزمْتُ، لأفعلَنَّ كذا, ولم يقل: بالله، لم يكن يميناً سواء نوى اليمين أم لا؛ لأنه لم يحلفْ باسمِ الله تعالَى ولا صفة من صفاته، وعند أبي حنيفة: هو يمين، إذا نوى اليمين أو أطلَقَ، وعند مالك: إن نوى اليمين، فهو يمين، وإن أطلق، فلا، وعن أحمد روايتان كمذهبهما.

ثم في المسألة فروعٌ تتعلَّق باللعان؛ وهو أن الملاعن، إذا قال في لعانه: أشهد باللهِ، وكان كاذبًا، هل تلزمه الكفَّارةُ؟ فيه وجهان عن رواية صاحبِ "التقريب":

الأظْهَرُ: الوجُوبُ، وقرب الإِمام الخلافَ من الخلاف في أن المولَى هل تلزمه الكفَّارة إذا وطئ، ووجه الشبه أن الإيلاء لاقتضائه الفراقَ وإفضائه إليه جعل في قول خارجاً عن الأيمان المحضة، فكذلك اللعان؛ لاقتضائه الفراق، وذكر أن التصوير فيما إذا زعم أنه قصد اليمين أو أطْلَق، وجعل مطلقه يميناً، قال: ويمكن أن يجيء الخلاف، وإن قصد غير اليمين؛ لأن ألفاظ اللعان معروضةٌ عليه في مجْلسِ الحُكمٍ، ولا أثر للتورية في الأيمان الجارية في مجلس الحكم، ولك أن تقول: إنما لا يؤثِّر القصد والتورية في الأيمان المعروضة في مجْلس الحُكْم في الأحكامِ الظاهرةِ، والكفَّارةُ حكْمٌ


(١) من ز: أظهرهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>