للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بينه وبين الله تعالَى، فيشبه أن يُقَال: لا يلزمه، إذا لم يقصد اليمين.

الثالثة: إذا قال: وَايْمُ الله، لأفعلنَّ كذا، أو وَايْمَنُ اللهِ، فإن نوى به اليمين، فهو يمين، وقد رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "وَايْمُ اللهِ، إِنَّهُ لَخَلِيقٌ بِالإِمَارَةِ" (١) وإنْ أطلق، ولم يَنْوِ (٢) شيئاً، فوجهان:

أحدهما: أنه يمينُ، لكثرة استعماله في اللغة يميناً، وقد ذكر أن أصل "ايْمُ اللهِ" "ايْمُنُ اللهْ" وأن الأيمن جمع اليمين، وأن التقدير: وَايْمُنُ الله قسمي، فكأنه قال: حلفت بالله.

وأظهرُهما: المنعُ؛ لأنه لا يعرفه ولا يستعمله إلا خواصُّ الناس، ولذلك قال الأصحاب: لو قال: لاَهَا الله (٣)، ولم يُردِ اليمينَ، لا يكون يمينًا، وإن كان يستعمل يمينًا في اللُّغَة؛ لعدم اشتهاره (٤) ويعبر عن الوجه الأول بأنه صريحٌ، وعن الثاني بأنه كنايةٌ.

فقوله في الكتاب وَقِيلَ: إنَّه صريحٌ كالمستغنى عنه: لأن الظاهر من قوله وكذلك قوله "وايمُ الله" رد العطف إلى الوجهين السابقين في قوله "ومطلقة يَنْزِل على اليمين على أحد الوجهين".

الرابعة: إذا قال: لعَمْرُ اللهِ، لأفعلنَّ كذا، فإن أراد به اليمينَ، فهو يمين، والمراد منه البقاءُ والحياةُ، وهو قريب من العُمر لكنه في هذا الموضع لم يجئْ إلا مفتوح العَيْن، ونذكر أن المعنى لَعَمْرُكَ قَسَمِي أو يَمِينِي أو ما أقسم به، وإن لم ينوِ شيئاً، وأطلق، ففيه وجهان:


(١) متفق عليه أخرجه البخاري [٣٧٣٠ - ٤٢٥٠ - ٤٤٦٨ - ٤٤٦٩ - ٦٦٢٧ - ٧١٨٧، مسلم- ٢٤٢٦] من حديث ابن عمر: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثًا، وأمر عليهم أسامة بن زيد، الحديث، ووقع في أصل المصنف تخبيط في لفظ الخليق.
(٢) في ز: بين.
(٣) قال النووي: وقوله: وايم الله بكسر الميم وضمها والضم أشهر، ولاها الله بالمد والقصر، وإن نوى به اليمين كان يميناً قطعاً.
(٤) قال ابن بطال: هِيَ "هَا الَّتِي لِلتَّنْبِيهِ، جُعِلَتْ عِوَضًا مِنْ حَرْفِ الْقَسَمِ، وَقَدْ رُويَ فِيهَا الْمَدُّ، وَلاَ أَعْلَمُ لَهَا وَجْهًا، وَكَذَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ الرِّبَا "الْبُرُّ بِالْبُرُّ وَالشَّعِيرُ بالشَّعِيرِ .. إِلى أَنْ قَالَ: هَاءَ وَهَاءَ" يُرِيدُ: يَدًا بيَدٍ، وَمَعْنَاهَا فِي الرِّبا: خُذْ، يُقَالُ: هَاكَ الدِّرْهَمَ، أَيْ: خُذْ. وَفِي كِتَاب اللهِ تَعَالَى: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} فَمَدَّهَا لأَجْلِ الْهَمْزَةِ الَّتِي بَعْدَهَا، وَقِيلَ: هِيَ مَمْدُودَةٌ في نَفْسَهَا، وَكَذَلِكَ: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ} وَأَنشدوا لِعَلِيِّ رضي الله عنه:
أَفاطِمَ هَائِي السَّيْفَ غَيْرَ ذَميمْ ... فَلَسْتُ بِرِعْدِيدٍ وَلاَ بَلِئِيمْ
ينظر: النظم المستعذب ٢/ ١٩٧ - ١٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>