للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أظهرهُما: أنه ليس بيمينٍ؛ لأنه كما يُطلق بمعنى البقاء، يُطْلِق بمعنى العبادات والمفروضات.

والثاني: أنه يمين؛ لاشتهاره في اليمين لغةً، وبهذا قال أبو حنيفةَ وأحمدُ، وبه قال ابن سُرَيْجٍ -رحمهم الله- في جوابات الجامع الصغير، وأبو الطيب بن سلمة، واختاره صاحبُ "الإفصاح" (١)، ومما يناسب هذه الصورةَ، إذا قال: عليَّ عهدُ اللهِ وميثاقُه وأمانَتُه وكفالَتُه، لأفعلن كذا، فإن أراد اليمينَ، فهو يمين، والمراد من عهده استحقاقه لإيجاب ما أوجب علينا وتعبَّدنا به، وإن أراد غير اليمين، لم يكن يميناً، والمراد العبادات التي أُمرنا بها، وإذا أطلق، فعلى وجهين:

عن أبي إسحاق: أنه يمين؛ للعادة الغالبة، وبه قال أبو حنيفةَ ومالكٌ -رحمهما الله- والأظهر خُلافه؛ لِتردُّد اللفظ، وبالعبادات فُسِّرت الأمانة في قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ} [الأحزاب: ٧٢] وإذا أراد اليمين بهذه الألفاظ فتنعقد يمين واحدة، والجمع بين الألفاظ تأكيدٌ، كما لو قال: واللهِ الرحمنِ الرحيمِ، ولا يتعلَّق بالحنث إلا كفارةٌ واحدةٌ، وقال مالكٌ: يتعلق بكلِّ لفظٍ كفارةٌ، ولك أن تقول: إن قصد بكلِّ لفظٍ يمينًا، فليكن كما لو حلف على الفعْل الواحد مراراً (٢).

ولو قال: وعهدِ الله وميثاقِ الله وأمانةِ اللهِ، قال في "التتمة" إن نوى به اليمين، فهو يمين، وإن أطلق فلا؛ خلافاً لأحمدَ، وعن أبي حنيفة -رحمه الله-: أن العهد والأمانة يمينٌ، بخلاف الميثاق.

قَالَ الغَزَالِيُّ: فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ أَوْ صَلاَةٌ لَزِمَهُ الوَفَاءُ عَلَى قَوْلٍ كَمَا لَوْ قَالَ: إِنْ شَفِىَ اللهُ مَرِيضِي أَوْ ذَكرَ حُصُولَ نِعْمَةٍ أَوْ دَفعَ بَلِيَّةٍ، وَعَلَى قَوْلٍ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لأَنَّ مَقْصُودَهُ المَنْعُ وَيَجْرِي فِي كُلِّ مَا يُقْصَدُ امْتِنَاعُهُ، وَعَلَى قَوْلٍ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الوَفَاءِ وَالكَفَّارَةِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْتُ فَعَلَيَّ نَذْرٌ فَهُوَ كَقَوْلهِ عَلَيَّ عِبَادَةُ إِنْ أَوْجَبْنَا الوَفَاءَ وَعَلَيْهِ تَعِيْنُ عِبَادَة يَلْزَمُ مِثْلُهَا بِالنَّذْرِ، وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى القَوْلِ الآخَرِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ: فَعَلَيَّ يَمِينٌ فَهُوَ لَغْوٌ، وَقِيلَ: عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَلَوْ قَالَ: مَالِي صَدَقَةٌ فَهُوَ لَغْوٌ، وَقِيلَ: هُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: عَلَيَّ أَنْ أتصَدَّقَ، وَقِيلَ: هُوَ كَجَعْلِ الشَّاةِ ضَحِيَّةً فَتَصِيرُ صَدَقَةً وَالظَّاهِرُ أَنَّه لَغْوُ.


(١) في أ: الإِيضاح.
(٢) قال النووي: هذا الذي استدركه الرافعي -رحمه الله- صحيح موافق للنقل، قال الدارمي: قال ابن القطّان: إذا نوى التكرار ففي تكرار الكفَّارة القولان فيمن حلف على الفعل الواحد مراراً، وطرده في قوله: والله الرحمن الرحيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>