للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= متعلق الحكم الشرعي لأن الكفارة متعلق الحكم الشرعي الذي هو الوجوب فتكون الإِضافة دليلاً على أن اليمين هي سبب الكفَّارة ومتى ثبت ذلك جاز تقويم الكفارة على الحنث لأن تقويم الشيء على شرطه بعد حصول سببه لا مانع منه شرعاً.
يويد ذلك ما رواه البخاري عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها فكفِّر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير".
وبما رواه البخاري عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إني إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا كفَّرت عن يميني وأتيت الذي هو خير" أو أتيت الذي هو خير وكفَّرت عن يميني فأنت ترى أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الأول يقول لعبد الرحمن: فكفِّر عن يمينك ثم أثبت الذي هو خير. وهذا يفيد بظاهره أنه يجب تقديم الكفارة عن الحنث ولا يصح تأخيرها إلى ما بعد الحنث ولكن هذا الظاهر مصروف عن ظاهره بقوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي موسى الأشعري "إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير أو أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني، فإن قوله عليه الصلاة والسلام هذا يدل على جواز تقديم الكفارة على الحنث كما يدل على جواز تقديم الحنث على الكفَّارة. ويؤخذ من الحديثين معاً أن الكفارة تجوز قبل الحنث ويعده، فمن منع تقديمها على الحنث يكون محجوجًا بهذه الأحاديث كما يكون مججوجًا بها من منع التكفير بالصوم وهم الشافعية لاستدلالهم بهذه الروايات في البعض دون البعض.
وجهة أصحاب الرأي.
ووجهة أصحاب الرأي ومن ذهب مذهبهم أن الكفارة قد أضيفت إلى اليمين وتلك الإضافة من إضافة الشيء إلى شرطه لا إلى سببه كإضافة الكفارة إلى الإِحرام في قولنا كفارة الإحرام، وإضافة الصدقة إلى الفطر في قولنا صدقة الفطر. وإضافة الشيء إلى شرط وإن كانت مجازية لأن الأصل إضافة الشيء إلى سببه إلا أنه يجب المصير إلى المجاز هاهنا لأن القرينة تمنع من جعل اليمين سببًا للكفارة إذ لو كانت سببًا لها لكانت مفضية إليها إذ السبب ما أفضى إلى المسبب مع أن اليمين لم تفض إلى الكفَّارة لأنها منعقدة للبر مانعة من الحنث محرمة له فكيف تكون سببًا له ولهذا لا تجب الكفارة إلا بعد انتقاض تركيب اليمين بالحنث ويستحيل أن يقال في شيء إنه سبب لحكم لا يثبت ذلك الحكم إلا بعد انتقاضه فتعين أن يكون الحنث هو السبب ولو كانت اليمين هي السبب لأفضت إليها في كل يمين ولا قائل بذلك بخلاف الحنث.
ويؤيد ذلك أن الكفَّارة إنما شرعت لستر الجناية غالبًا والجناية لم تحصل باليمين وإنما حصلت بالحنث فناسب أن تقع بعده لتستر تلك الجناية التي حصلت به ويرد ذلك بأن اليمين سبب إذا لم يفقد الشرط وهو الحنث لأن فقد الشرط مانع ودعواهم أن السبب هو الحنث يتأتى فيه هذا لأنه ليس دائماً مفضيًا، وإذا كان الافضاء في الجملة كافيًا فهو موجود في اليمين.
ويرد أيضاً بأننا ما دمنا متفقين على أن تقديم الشيء على سببه لا يجوز، وأن تقديمه على شرطه بعد حصول سببه لا مانع منه شرعاً لا يصح بعد هذا أن يقال: إن إضافة الكفَّارة من إضافة الشيء إلى شرط حتى يكون الحنث سببًا وإلا لاقتضى منع تقديم الكفَّارة على الحنث مع أن الأحاديث المتقدمة ظاهرة وواضحة في جواز تقديمها عليه وقولهم إن الكفارة شرعت لستر الجناية الخ إن دل فإنما يدل على أفضلية تأخير الكفارة على الحنث لا على منع تقديمها عليه وفرق بين الأمرين. =

<<  <  ج: ص:  >  >>