للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرابعة: يجوز تعْجيل المنذور، إذا كان مالياً، كما إذا قال: إن شفى الله مريضِي، أو رد غائبي، فلله عليَّ أن أعتق عبداً أو أتصدَّق بكذا يجوز تقديم الإِعتاق والصدَّقة على الشِّفَاء ورجوع الغائِبِ، وفي فتاوى القفَّال ما ينازع فيه.

الخامسة: الحامِلُ والمرضِعُ، إذا شرعتا في الصوم، ثم أرادتا الإِفْطار وأخرجتا الفدية قَبْل الإِفطار، ففي إجزائها وجهان:

أظهرهما: الإِجزاء؛ وعلى هذا، ففي جواز تعجيل الفدية لسائِر الأيام وجهان؛ بناءً على الخلاف في تعجيل زكاةِ عامَيْن.

وقولُه في الكتاب "وفائدته أنه يجوز تقديمها على الحِنْث بعد اليمين" إشارةٌ إلى ما ذكر الأصحاب أنَّ الخلافَ بَيْنَنَا وبين أبي حنيفة في جواز تقديم الكفَّارة على الحنث مبنيٌّ على أن اليمين عنْدنا سبب للكفارة، والحقُّ المالي يجوز إخراجه بعد وجوب سببه أو أحد سببيه، كما تُعجَّل الزكاة على الحَوْل بعد كمال النصاب، وعنده السببُ الحِنْث، والتقديمُ على السبَبِ لا يجوز، كما لا يجوز تقديم الزكاةِ على النصابِ، وكفارةِ الوقاعِ على الوِقَاع.

المسألة الثانية: الأيمانُ مكروهةٌ، إلا إذا كانت في طاعةٍ؛ كالبيعة على الجهاد، كما قال -صلى الله عليه وسلم -: "وَاللهِ لأغَزُوَنَّ, قرَيشاً" (١) ويستثنى أيضاً الأيمان الواقعةُ في الدعاوَى، إذا كانت صادقةً فإنها لا تكره (٢).

والتفصيل أنه، إن حلَف على فعْلِ مفروضٍ، أو تركِ محظورٍ، فهذه يمينُ طاعةٍ، والإِقامة عليها واجبةٌ، والحِنْثُ معصية وإن حلف على تركِ مفروضٍ أو فعلِ محظورٍ، فهذه يمينُ معصية ويجب عليه أن يُحْنِثَ نفسه، ويُكفِّر، وإن حَلفَ على فعْل محبوب؛ كصلاةِ التطوُّع وصدقة التطوع، فالإقامة عليه الطاعةٌ والمخالفةِ مكروهةٌ إن حلف على ترْك محبُوب، فهو مكروه، والإقامةَ عليه مكروهةٌ، ويُستحبُّ أن يُحَنِّثَ نفسه، وفي مثله نَزَل قوله تعالَى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} [النور: ٢٢] الآية وعدَّ الشيخ أبو حامد وجماعةٌ من هذا القبيل ما إذا حَلَف، إلاَّ يأكل طَيِّباً ولا يلبس ناعماً، وقال: اليمين عليه مكروهةٌ, لقوله تعالَى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: ٣٢] وفيه وجة آخر اختاره أبو الطيب: أنَّهَا يمينُ طاعةٍ؛ لما


(١) تقدم.
(٢) قال النووي: وكذا لا يكره إذا دعت إليه حاجة، كتوكيد كلام أو تعظيم أمره، كقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "فوالله لا يمل الله حتى تملوا" وفي الحديث الآخر: "والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً" وأشباهه في الصحيح كثيرة مشهورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>