وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أن المجزئ من ذلك هو ما يستر البدن، ويسمى به الشخص مكتسياً، وذلك كالقميص، أو الإزار السابخ، أو القباء، أو الكساء أو الملحفة، وخالفهما الإِمام مُحَمَّدُ حيث قال: يجزئ من ذلك ثوب تصح فيه الصلاة للرجل والمرأة، فيجوز عنده السراويل للرجل؛ لأنه يسمى لابساً شرعاً ولا يجزئ عندهما؛ لأن لابسه لا يسمى مكتسياً عُرْفاً. وذهب الإِمام أحمد إلى أن المجزئ من ذلك ثوب يصح للرجل أن يُصَلِّيَ فيه، وللمرأة درع وخمار، وقال: لا يجزئ إزار وحده أو سروال. ووجهة الشَّافِعِيُّ، ومن معه في ذلك أن النَّصِّ ورد مطلقاً "أَوْ كِسْوَتُهُمْ" من غير أن يقيد بشيء، فوجب أن يحمل على ما يسمى كسوة عرفاً، والعرف يطلق على ما ذكر كسوة، فكان معتبراً في إسقاط الكفارة، ويؤيد ذلك قول عمران بن حصين -رضي الله عنه- لمن سأله عن قوله تعالى: {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} لو أن وفداً قدموا على أميركم هذا، فكساهم قلنسوة قلنسوة قلتم قد كسوا. ووجهه مالك: أن الآية وإن كانت مطلقة، ولم يرد فيها تقييد بشيء إلا أن ذلك يجب أن يعتبر بما عرف عن الشرع في الكساء، وأدلى ما تقدر به كساء الصلاة؛ لأن في ذلك سد الخلة المحتاج، ودفعاً لحاجتهم في الصلاة وزاد الحنابلة على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "لاَ يُصَلِّي أَحَدُكُمْ في الثَّوبِ الْوَاحِدِ لَيسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ". وقالوا: لا يجزئ أقل ما يصدق عليه اسم الكسوة أن الكسوة أحد أنواع الكفارة، فلا يجزئ فيه الإقل، كالإطعام، والأعتاق؛ ولأن لابسى ما لا يستر العورة لا يسمى مكتسياً، وإنما يسمى عُرْيَاناً، وَأَثَرُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَينِ ضَعِيفٌ. ونحن إذا نظرنا إلى أن المولى -سبحانه وتعالى- لم يقيد الكسرة بكونها من أوسط ما يكسوا به أهله، ولم يرد في السنة ما يفيد كساءً خاصاً رأينا أن ذلك يجب أن يوكل إلى العرف، كما هو رأي الحنفية، ولا شك أن العرف يختلف باختلاف الْبُلْدَانِ، والأزمان، والفصول، فَالْمُكَفِّرُ متى اختار أن يكفر بالكسوة، وَجَبَ عليه أن يراعي الوسط الذي هو فيه، ويفعل ما يناسب هذا الوسط، وما يتفق، والزمن الذي يعيش فيه، ولا يُقَالُ: إن ذلك يوجب تشديداً على المكفر؛ لأنا نقول: المكفر مخيَّر في هذا، وفي غيره، فاختياره هذا بخصوصه، دليل على أنه لا حَرَجَ عليهِ فيه. و"الصفات المعتبرة فيمن يعطي من الإِطعام والكسوة". اتفق الفقهاء على أن وصف المسكنة والاحتياج لا بدّ منه فيمن يعطي من الكفَّارة لقوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} كما اتفقوا على أن المعطي من الكفارة يجب ألا يكون قريباً للرسول -صلى الله عليه وسلم- قرابة خاصة بان يكون هاشمياً فقط، أو هاشمياً ومطلبياً على الخلاف في ذلك لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن هذه الصدقات أوساخ الناس فلا تحل لمحمد ولا لآل محمد". كما اتفقوا على أن من يعطى كذلك يجب ألا تكون نفقته واجبة على المكفر وإلا كان الدفع إليه عبثاً لأنه راجح إليه. =