للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الرافعِي: كل مكلَّف حنثَ في يمينه (١)، لزمته الكفارة، يستوي فيه الحرُّ،


(١) اتفقت كلمة الفقهاء على اعتبار البلوغ والعقل والانعقاد شروطًا لوجوب الكفارة باليمين فلا كفارة على من حنث وهو صبي، أو مجنون؛ لأن القلم أي الخطاب مرفوع عنهما بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "رفع القلم عن ثلاث. عن النائم حتى يستيقظ، والصبي حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق".
كما لا كفارة على من لغا في يمينه إلا ما ورد عن المالكية في اللغو إذا كان على أمر مستقبل فإن فيه الكفارة عندهم، وقد سبق تفسير كل "للغو" لقوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ الله بِاللَّغْوِ في أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ}.
واختلفوا بعد ذلك في الإِسلام والاختيار وتعمد الحنث هل تعتبر شروطًا لوجوبها أو لا.
الإِسلام:
ذهَبت الشافعية والحنابلة والمالكية وأبو ثور إلى أن الإِسلام ليس شرطاً في إيجاب الكفارة على من حنث كافراً.
وذهبت الحنفية والثوري وجماعة من العلماء إلى أن الإِسلام شرط في وجوب الكفارة.
وحجة الشافعية ومن ذهب مذهبهم ما روي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- "إنه نذر في الجاهلية أن يعتكف في المسجد الحرام، فأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالوفاء بنذره" ولا فرق بين النذر واليمين ولأنه من أهل القسم بدليل قوله تعالى: {فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ} فقد أخبر سبحانه وتعالى أن الكافر يصح يمينه وإذا صحت اليمين منه كان مطالباً بالمحافظة عليها كغيره قال تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ}: فإذا أحل بهذه المحافظة طولب بالكفارة عقوبة له وزجراً لانتهاكه حرمة الاسم الأعظم. ولا يقال إنه غير مكلف فقد حكى الله عن الكافرين ما يدل على مخاطبتهم بفروع الشريعة قال تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ في سَقَرَ (٤٢) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ...} الآية.
فدل هذا على أن الكافر أهل للالتزامات الشرعية إذ لا فرق بين النذر وغيره.
وأما تأخير الكفارة إلى ما بعد إسلام المكفر كما عليه أهل الظاهر وابن المنذر فغير مسلم لما فيه من التقرير ولعله يموت قبل التكفير فيزاد في إثمه.
وأما استدلال الحنفية بالآية {لَا يُؤَاخِذُكُمُ الله بِاللَّغْوِ في أَيْمَانِكُمْ ...} الآية بأن الخطاب فيها للمؤمنين فغير مسلم لأن الخطاب وان كان للمؤمنين لانتفاعهم بالأحكام لا يلزم منه ألاَّ يكون غيرهم مثلهم في الأحكام لما تقدم، وافتقارها إلى النية لأنها عبادة لا يلزم منه أن يكون مانعاً من صحة التكفير من الكافر؛ لأن نيته للتمييز لا للتقرب وهو أهل لها، وبذلك يترجح مذهب الشافعية ومن وافقهم.
الاختيار وتعمد الحنث:
ذهبت الشافعية والحنابلة والظاهرية إلى أن الاختيار وتعمد الحنث شرطان في إيجاب الكفارة.
وذهبت الحنفية والمالكية إلى عدم الاشتراط إلا أن المالكية يوجبونها على المكرة بحنث في بر بشروط هي:
أولاً: ألا يعلم أنه يكره على الفعل.
ثانياً: ألا يأمر غيره بإكراهه له.
ثالثاً: ألا يكون الإكراه شرعياً.
رابعاً: ألا يفعل ثانياً طوعاً بعد زوال الإِكراه.

<<  <  ج: ص:  >  >>