سادسًا: ألا تكون يمينه لا أفعله طائعاً ولا مكرهاً وجهة الشافعية ومن معهم قوله -صلى الله عليه وسلم- "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس على مقهور يمين". وجه الدلالة من الحديثين ظاهر، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر في الحديث الأول بأن النسيان والإكراه قد وضعها عن الأمة. أي أنه لا إثم فيهما على المكره، ونفي الإثم يوجب نفي الكفارة لأَن الشأن فيها أن تكون لذهاب الإِثم. وأخبر في الحديث الثاني أن المقهور لي عليه يمين وهذا نص في المطلوب؛ لأن الكفارة إنما تكون عن وجود يمين معتبرة وحيث لا اعتبار ليمين المكره فلا كفارة فيها. ووجهة الحنفية والمالكية ما روي من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث جدِّهنَّ جد وهزلهن جد .. الخ" وعدَّ من جملة الثلاث اليمين. ووجه الدلالة من هذا الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اعتبر اليمين من الهازل وهو الذي لم يقصد ما حلف عليه وجعلها كيمين الجاد الذي وجد منه القصد فتكون يمين المكره والمخطئ أولى بالاعتبار لوجود القصد عندهما فتكون موجبة للكفارة كغيرهما. وأيضاً فإن حقيقة فعل خلاف ما حلف عليه لم تنعدم بالإِكراه ولا بالنسيان بل توجد بها، وتحقق الفعل هو الشرط المعتبر في الكفارة وقد وجد فتوجد الكفارة. ونحن إذا نظرنا إلى وجهة كل نجد أن قول الفريق الأول القائل بالاشتراط هو الراجح لأن استدلال الحنفية يضعفه ما صرح به في بعض الروايات من تفسير اليمين بأنها اليمين بالعتق أو الرجعة، فقد ورد في بعض روايات الحديث ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والعتق وفي بعضها "الرجعة" بدل العتق والمطلق يحمل على المقيد فيكون المعنى اليمين بالعتق. كما أن قولهم إن الشرط في الكفارة هو حصول خلاف المحلوف عليه وقد تحقق استدلال بمحل النزاع، فإن الخصم يقول لهم: إن الشرط تحققه على وجه خاص ولم يوجد ذلك الوجه الخاص. ويرد على الحنفية خاصة بأن هذا قياس في الأسباب وهم لا يقولون به.