عن الإِيذاء والإِيحَاشِ، وإلا، فهو كما لو كلَّمه بالشتم والإِيذاء، ففيه زيادة الوحشة وتأكيد الهجرة، ولا يحْنَثُ بمثل هذه المكاتبة، إذا حَلَفَ عَلى المُهَاجَرَةِ (١)، ولو سَلَّم الحالف على الذي حَلَف أنه لا يكلمه، حَنِثَ، فإنَّ السلام نوعٌ من الكلام، وإن سلم عَلَى قوم هو فيهم وقصده بالسَّلاَمِ، فهو فكذلك، قال في "البيان" ويجيْءُ ألا يحنث على قول من قال: إذا حلف لا يأكل السمن، فأكله مع غيره لا يحنث، وإن استثناه لفظًا، لم يَحْنَث، وإن استثناه بالنية، فكذلك، لأن اللفظ العام يحتمل التخصيص، وذُكِرَ فيه قول آخر، وإن أطلق، ففيه قولان منقول المُزنِيِّ، أنه لا يحنث ووُجِّهَ، بأن اللفظ يصْلُح للجميع، وللبعض، فلا يحنث بالشكِّ، والثاني يحنث، رواه الربيع، وهذا أظهر على ما ذكره الشيخ أبو حامد؛ لأن ظاهر اللفظ مخاطبةُ الجَمِيعِ، ولو سلم عن صلاته، وفلان المحلوف عليه من المؤتمين به، ففيه هذا التفصيل، وعند أبي حنيفَة؛ لا يحنث، ولو صلَّى الحالفُ خلْفَ فلان، فسبَّح به لسهْوِه أو فتَحَ عليه القراءة، لم يحنث، ولو قرأ آيةً، فَهِمَ فلانٌ منها مقصوده، لا يحنث، إن قصد القراءة، وإلاَّ، حنث.
الثانية: إذا حلَفَ لا يتكلَّم، حنِث بترديد الشِّعْر مع نفسه؛ لأن الشِّعْر كلامٌ، ولا يحنث بالتهليل والتسبيح والتكبير؛ لأن اسم الكلام عنْد الإِطلاق ينْصَرِفَ إِلَى كلام الآدميين في محاوراتهم، وفيه وجه أنه يحنث؛ لأن الحِنْثَ عيْرُ ممنوع منها، فهي كسائر الكلام، والدعاء في معنى التسبيح، ولا يحنث بقراءة القرآن، وبه قال أحمد، وعن أبي حنيفة أن جميع ذلك، إن كان في الصلاة، لم يقتض الحِنْث، لأن كان خارجَ الصلاة، حنث.
الثالثة: إذا حلف؛ لَيُثْنِيَنَّ على الله بأحسن الثناء، فطريق البر أن يقول: لا أُحْصِي ثناءً عليك؛ أنْتَ كما أثنَيْتَ عَلَى نفسك، وزاد إبراهيم المَرْوَزِيُّ في آخره: ولك الحمدُ حتَّى ترضى وصور في "التتمة" فيما إذا قال: لأُثنِيَّنَّ على الله بأجلِّ الثناء وأَعْظَمِهِ، وزاد في أول الذكر "سبحانَكَ" ثم وجهه بأن أجل الثناء ثناءُ الله تعالَى على نفسه، ويحسن أن يُقَالَ: الاعتراف بالعَجْز والقصور عن الثناء، والحوالةُ عَلَى ثنائه على نفسه أحْسَنُ الثناء وأبلغُه، ولو قال: لأَحْمَدَنَّ الله بمجامعِ الحمْدِ، وقال في "التتمة": بأجل التحاميد، فطريق البر أن يقول: الحمْدُ لله حَمْدًا يوافِي نعَمَهُ، ويكافئُ مزيدُهُ، يُرْوَى أن جبريل -
(١) قال النووي تحريم المهاجرة فوق ثلاثة أيام إنما هو فيما إذا كانت المهاجرة لحظوظ النفوس وتعنتات أهل الدنيا، فأما إذا كان المهجور مبتدعًا أو مجاهرًا بالظلم والفسوق، فلا تحرم مهاجرته أبدًا، وكذا إذا كان في المهاجرة مصلحة دينية، فلا تحريم، وعلى هذا يحمل ما جرى للسلف من هذا النوع، والأصح أنه لا يزول التحريم بالمكاتبة والمراسلة، قال صاحب "البيان": وينبغي أن تكون الإِشارة والرمز كالمكاتبة كما قلنا في الحنث.