للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صحيحًا، حتى لو أحرم مع الإِخلال بِبَعْضِ الشروط، لا يحكم بالحنث، ولو قال ما صليت، وقد أتى بصورة الصلاة الفاسدةِ، لا نقول بالحنث، ولا يجيء الوجه الثاني، إذا صلَّى عَلَى جنازة ولو لم يجدْ ماءً ولا ترابًا، وصلَّى، حنث؛ لأنها تعدُّ صلاة، وإن وجب القضاءُ إلاَّ أن يريد الصلاةَ المجْزِئَةَ، ولو قال: لا أصلِّي صلاةً، لم يحنث حتى يفرغ، ولو حلف لا يصوم، فيحنث بأن يصح صائمًا أو ينوي صَوْمَ التطوّع ضُحى، أو لا يحنث حتَّى يتم؟ فيه الخلاف، وإذ قلْنا: لا يحنث حتى يفرغ، فقَدْ ذكر وجهان في أنَّا، هل نتبين استناد الحنث إلى الأول، وقوله في الكتاب "ثم يحرم بالصلاة، حنث" معلم بالحاء؛ لأن عنده لا يحنث حتى يَسْجُدَ (١).

قَالَ الغَزَالِيُّ: النَّوْعُ السَّادِسُ فِي تَأْخِيرِ الحِنْثِ وَتَقْدِيمِهِ: وَلَوْ قَالَ: لآكُلَنَّ هَذا الطَّعَامَ غدًا وَأَخَّرَ حَنِثَ، وَإِنْ تَلِفَ الطَّعَامُ قَبْلَ الغَدِ أَوْ مَاتَ الحَالِفُ فَقَدْ تَعَذَّرَ البِرُّ لا بِاخْتِيَارِهِ فَيُخَرَّجُ عَلَى قَوْلِيَ الإِكْرَاهِ، وَلَوْ تَلِفَ في أثْنَاءِ الغَدِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنَ الأَكْلِ فَلُزُومُ الكَفَّارَةِ يُلْتَفَتُ عَلَى الخِلافِ فِي أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يُصَلِّ فِي أَثْنَاءِ الوَقْتِ هَلْ يَعْصِي؟ وَلَوْ قَالَ: لأَقْضِيَنَّ حَقَّكَ غدًا فَأَبْرَأَهُ المُسْتَحِقُّ فَقَدْ فَاتَ الِبرُّ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَإِنْ مَاتَ المُسْتَحِقُّ وَفِيَّ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الوَرَثَةِ، وَإِنْ مَاتَ الحَالِفُ فَقَدْ فَاتَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَعَلَى القَوْلَيْنِ، وَلاَ يَنْفُدُ حُكْمُ الحِنْثَ بَعْدَ المَوْتِ إِذَا سَبَقَ اليَمِينُ فِي الحَيَاةِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: في الفصل صورتان متقاربتا المَدْرَكِ:

إحداهما: حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الطَّعام غدًا، فلا يخفي البرُّ إِن أكله غدًا، والحِنْث، إن أخَّر أكله عن الغد مع الإِمكان، وإن تَلِفَ الطعام قبل مجيء الغدِ بنفسه أو بإِتلاف أجنبيٍّ، فقد فات البر بغير اختياره، فيخرَّج الحِنْث عَلَى قولي الإِكراه، وعن القاضي أبي حامد أن الأظهرَ أنه لا يحنث، ويُقال: إنه المنصوص، فإِن قلنا: يحنث، فيحنث في الحال؛ لحصول اليأس عن البر أو بعد مجيء الغد؛ لأنه وقت البر والحنث؟ فيه قولان أو وجهان، والذي أورده القاضي ابْنُ كج هو الثاني، والخلاف كالخلاف فيما لو حلف؛ لَيَصْعَدَنَّ السماءَ غدًا، وقد سبق قال في "التتمة": وفائدة الخلاف أنه لو كان مُعْسِرًا كفر بالصوم، فيجوز أن ينوي صوم الغد عن كفارته، إن قلنا: يحنث قبل مجيء الغد (٢)، وإن قلنا يحنث بعد مجيء الغد، فلا يجوز؛ لأن التكفير بالصوم لا يقدَّم على


(١) قال النووي: وينبغي ألا يحنث بسجود الشكر والتلاوة والطواف، ويحنث بالصلاة بالإِيماء، حيث يحكم بصحتها.
(٢) قال النووي: ومن فوائده لو مات الحالف قبل مجيء الغد أو أعسر، وقلنا: يعتبر في الكفارة حال الوجوب.

<<  <  ج: ص:  >  >>