وقوله في الكتاب "كل ما علقه على فعل نفسه" الحُكْمُ لا يختص بفعل نفسه، بل سواءٌ كان فعلَهُ أو فعْلَ غيره، فإذا وجد بالإِكراه أو النسيانِ، ففيه الخلافُ، هذا هو الظاهر، وفيه شيء قدَّمناه في "مسألة الحلف" على مفارقة الغريم.
إحداهما: إذا حَلَف؛ لا يُسلم على زيد، فسلَّم على قوم فيهم زيدٌ، ولم يعلَمْ أنه فيهم ففي الحنث قولاً حنث الناسي والجاهل، وإن علم أنه فيهم ونوى السلامَّ عليه معهم، حَنِث، وفيه ما حكينا عن "البيان" فيما إذا حلف لا يكلَّم فلاناً، ثم سلم على قوم، هو فيهم، وقصده بالسلام، وإن استثناه بلفظه فقال: إلا على فلان، لم يَحْنَث، وإنْ عزله واستثناه بنيته، فكذلك، وقد أراد، بالعامَّ الخاصَّ، ومنهم من أثبت فيه خلافاً يذكر في الصورة الثانية، وإن أطلق، ولم يقصد شيئاً، فعلى قولَيْن ذكرنَاهُما فيما إذا حَلَف لا يكلِّم فلاناً، فسلَّم على قومٍ، هو فيهم، وأطلق، وقد يوجه المنع أيضاً بأنه لم يسلِّم عليه خاصَّةً، وهو المفهوم من مطْلَق لفْظه، والظاهِرُ الحِنْث، وقوله في الكتاب "ولو سلم على قوم فيهم زيدٌ" يعني: فيما إذا حلف لا يسلِّم على زيد، ولم يستكمل ذكر الصورة اكتفاءً بما تقدَّم في قوله وصورة الجهل أن يقول: لا أسلِّم على زيد.
الثانية: لو قال: لا أدخُلُ على زيْدٍ، فدخل على قوم هو فيهم، فاستثناه بقلبه، وقصد الدخول على غيره، ففيه طريقان:
أحدُهُما: وهو المذكور في الكتاب، وفي "التهذيب" أنَّ فيه قولَيْنِ أو وجهَيْنِ:
أحدهما: أنه لا يَحْنَث؛ لأنَّ مقصُودَه الدُّخُول على غيره.
والثاني: يحْنَثُ؛ لوجود صورة الدخول على الجميع، وأشار ابنُ الصَّبَّاغ وعَيْرُه إلَى أحد القولَيْن من قولَيْن للشافعيِّ -رضي الله عنه- فيما إذا حلف لا يكلِّم فلاناً،