يَلْغُوَ والجامع أنه أحد سبببي وجوبِ الكفارة، وأيضاً، فالإِكراه معنى، لو قارن كلمةَ الكُفْر لا يتعلَّق بها حكْمُها، فكذلك إذا قارنَ سبَبَ الكفَّارة قيَاساً على الجنون، وعن أبي الطيِّب بن سلمة القَطْعُ بأنه لا يَحْنَث؛ لأن الشافعيَّ -رضي الله عنه- اختاره وأبْطَلَ القَوْلَ الآخر، والمشهورُ إثباتُ القولَيْنِ، ويجريان فيما لو وجد المحْلُوفُ علَيْه علَى وجه النسيان، وقد ترتَّب النسيان على الإِكراه، ثم تارةً يجعل الناسي أولَى بألاَّ يحنث؛ لأن النسيان أكثر وقوعاً، فهو أولَى بأن يُجْعلَ عذراً، وتارة يجعل الناسي أولَى بأنْ يحنث؛ لأنه قد ينسب إلى التقصير بترك التحفظ، ويدل عليه أن من أكره علَى إتلاف مال الغير، لا يستقر عليه الضمان، ومن أتلفه ناسياً يَسْتَقِرُّ عليه الضمان، ويَخْرُجُ ومن الترتيب طريقتان؛ تقطع إحداهما بالحِنْث، والأخرى، تمنع الحنث، ويجري الخلاف في صورة الجهل مثل أن يدخل الدَّارَ، وهو لا يعرف أنها الدَّار التي حلف ألا يدخلها، ومثل أن يحلف لا يُسلِّم على زَيْدٍ، ثم سلَّم عليه في ظلمة، وهو لا يدري أنه زيد، وقد يرتب الجاهلُ على الناسِي، ويجعل الجاهل أولَى بالحنث؛ لأنَّ الجاهل الغالِطَ في غروب الشمْسِ يُفْطِر، والناسي لا يفطر، وعن أحمد -رحمه الله- في الصور روايتان كالقولين، ورواية ثالثة أن الحنث لا يحصل، لكن لا يقع الطلاق إذا وجد الفعْلُ المعلَّق عليه على أحَدِ هذه الوجوه، وردَّ الأصحابُ ذلك ونَفَوُا الفَرْق، وفيه دليل على أنهم لا يرتضون مَا يُحْكَى عن اختيار القفَّال من وقوع الطلاق ونَفْيِ الحِنْث؛ لأن اليمين والمحافظة عليها أشبه بالعبادات، فيؤثر فيها النسيان، وإذا حكَمْنا بعدم الحِنْث، فهل ينحل اليمين فيه وجهان:
أحدهُما: نعم؛ لأن الفعل موجودٌ حقيقةً، وإنَّما لم يثبت حكْمُ الحِنْث للعُذْر.
وأشبهُّهما: وبه أجاب الصيدلاني: أنه لا ينحل اليمين؛ لأنا إذا لم نُحَنِّثْه، لم نجعل يمينه متناولةً لما وجد، إذ لو تناوله يحنث كما لو قال: لا أفعل طائعاً ولا مُكْرَهاً، إذا لم يتناوْلُه, ثم وجد ما يتناوله، لِزَمَ الحنث، وإذا حلَف؛ لا يدخل الدَّارَ، فانقلب في نوْمِه، وحصل في الدار، لم يحْنَث، وإن حُمِلَ قهراً، وأُدْخِلَ، فقد قيلَ هو على الخلاف فيما لو أُكُرِهَ حتَّى دخل لأنه حصل في الصورتَيْنِ الدخول بغَيْر اختياره، والصحيحُ وهو المذكور في الكتاب: أنه لا يحنث؛ لأن اليمين انعقدتْ علَى دخوله، ولم يوجد منه الدخولُ لا طائعاً ولا مُكْرَهاً، وإنما الموجود إدخالُهُ الدار، ولذلك نقول: لا ينحل به اليمين، والحالة هذه، بلا خلاف، ولو حُمِلَ بغير إذنه لكنه كان قادراً على الامتناع، فلم يمتنع، فالظاهر أنه لا يحنث أيضاً؛ لأنه لم يوجد منه الدخول، ومنْهم مَنْ جعل سكوته بمثابةِ الإِذْن في الدخول، وبه قال مالكٌ -رحمه الله- ولو حُمِلَ بأمره, حَنِث، وكان كما لو ركب دابة ودخلها، ويَصْدُقُ، أن يُقَالَ، والحالة هذه: دخلها على ظَهْرِ فلانٍ كما يَصْدُق أن يقال: دخلها راكباً.