للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو سوطَيْنِ، ويضربه بهما خمسين مرةً بشرط أن يعلم إصابَة الكلِّ على ما سبق، وفيه وجه: أنه إن ذكر السوط، يبَرُّ بالعِثْكال كما في لفظ الخشبة، وهذا ما أورده صاحبُ "التهذيب".

وقوله في الكتاب "حصل البر" يجوز أن يعلم بالميم والألف؛ لأن عن مالكٍ وأحمَدَ أنَّه لا بِرَّ من مائة ضربة متفرقة، وحَكَى ذلك عنهما فيما إذا قال؛ لأَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ سَوْطٍ، وفيما إذا قال: لأجلَدَّنَّهُ مائةً، ويُشْبِه أن يكونَ الحُكْمُ في صورة الكتاب كذلك.

وقوله "ولا يشترط أن يمَسَّ آحادها بدنه" معلم بالواو.

وقوله "ولو شكَّ في التثقيل والانكباس لا يحنث" معلم بالحاء والزاي وقوله "ولو قال: لا أدخل الدَّار إلا أن يشاء زيد" جعل صاحبُ الكتاب ههنا وفي "الوسيط" هذه الصورةَ محَلَّ تصرُّف الأصحاب في حكمها، وحكم مسألةَ الضرب بالطريقين، ولعلَّه أَتبع فيه الإِمامَ -رحمهما الله- والذي أورده المُزَنِيُّ، ونقله جمهورُ الأئمَّة -رحمهم الله- ما قدَّمنا، وهو ما إذا قال: لأدخلَنَّ الدارَ اليوم إلا أن يشاء زيْدٌ، فأما طرف النفْي، فقد ذكرناه في الباب الأوَّلِ، وبيَّنَّا ما نقل فيه الربيعُ وما تكلَّم لأصحاب عليه.

قَالَ الغَزَالِيُّ: خَاتِمَةُ: كُلُّ مَا عَلَقَّهُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَإذَا حَصَلَ بغَيْرِ اخْتِيَارِهِ إِمَّا بِالإِكْرَاهِ أَوْ بِالنِّسْيَانِ وَإِمَّا بالجَهْلِ فَفِيهِ قَوْلاَنِ، وَصُورَةُ الجَهْلِ أَنْ يَقُولَ: لاَ أَسَلَّمُ عَلَى زَيْدُ ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِ فِي ظُلْمَةٍ وَهُوَ لاَ يَعْرِفُهُ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى الدُّخُولِ فَحُمِلَ قَهْراً وأُدْخِلَ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ حُمِلَ بِإِذْنِهِ حَنِثَ، وَإِنْ سَكَتَ مَعَ القُدْرَةِ فَفِيهِ خِلاَفٌ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا وجد القول أو الفعْلَ المحلوف علَيْهِ علَى وجْهِ الإِكْرَاه، هل يحْنَثُ الحالِفُ؟ فيه قولان منصوصان جاريان في تعْلِيق الطلاق علَى ما قدَّمنا:

أحدُهُما: وبه قال أبو حنيفةَ ومالكٌ -رحمهما الله- أنه يحنث؛ لأن صورة المحلوف عليه قَدْ وُجِدت، والكفارةُ لا تسقط بالأعذار، ألا ترى أنه قد يَجِبُ عليه أن يُحْنِث نفسه، ومع ذلك يلزمه الكفارة، وأيضاً، فإن ما تعلَّقت به الكفارةُ، إذا وُجِدَ بالاختيار، تعلَّقت، وإن وُجِدَ لا بالاختيار كقتل الصيد.

وأصحُّهُمَا: على ما ذكر أبو حامد والقاضي والشيخ والقاضي ابن كج والرويانيُّ وغيرهم -رحمهم الله-: أنه لا يحنث، ولا يلزمُه الكفارةُ: لما رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ والنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ" (١) وأيضاً، فإنَّه لو حلف مُكْرَهاً، لا تنعقد يمينه، فكذلك الْمَعْنَى الذي يتعلَّق به الحِنْث، إذا وجد على وجه الإِكراه ينبغي أن


(١) تقدم في آخر باب "شروط الصلاة"، وفي "الطلاق".

<<  <  ج: ص:  >  >>