للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفَّي بموجب اللفظ، وما معنى إصابةِ الكلِّ؟ الظاهرُ أنه لا يشترط أن تُلاَقِيَ القضبانُ بدنه أو ملْبُوسَهُ، بل يكفي أن ينكبس وينكسر بعْضُها علَى بعض بحيث يناله ثقلُ الكُلِّ، ولا يضر كون البعض حائلاً بين بدنه وبين البَعْض، كالثيابِ وغَيْرِها، مما لا يمنع تأثُّر البَشَرَةِ بالضرب، وفيه وجه أنَّه لا يكفي الانكباس، بل لا بدّ من مُلاَقَاة الجميع بدنه أو ملبوسه، وإن تَيَقَّن أنه لم يصبْه الكلُّ، لم يَحْصُلِ البِرُّ، وإن شك في أنه، هل أصابه الكل فالنص أنه لا يحنث ونقل المُزنيُّ عن نصِّه، فيما إذا حلف، لَيَدْخُلَنَّ الدارَ اليوم إلا أن يشاء زيْدٌ، فلم يدخل ومات زيد ولم يعلم هل شاء أم لا؛ أنه يحنث.

وفيهما طريقان للأصحاب:

أحدُهُما: تقرير النصَّيْن، والفرق أن الضَّرْب سَبَبٌ ظاهرٌ في الانكباسِ والتثقيل، فيُكْتَفَى به، فههنا لا أمارة تدُلُّ علَى أن فلاناً شاء والأصلُ عدم المشيئة.

والثاني: أن في الصورتين قولَيْنِ بالنقْلِ والتخْريج:

أحدهُما: لا يحنث؛ لأنَّا لم نتحقَّقْ مخالفة اليمين، والأصلُ عدم الحنث وبراءة الذمة.

والثاني: وبه قال أبو حنيفةَ والمُزنيُّ -رحمهما الله- يحنث؛ لأن الأصلَ عدم الإِصابة للمشيئة، وشُبِّهَ القولان بالقولَيْنِ في إعتاقِ العَبْد المنقَطِع الخَبرَ عن الكفارة، والظاهرُ ههنا أنه لا يحنث، وإن أثبت الخلاف، وفي مسألة المشيئة أنه يحنث (١).

ولو حلف؛ لَيَضْرِبَنَّهُ مائة مرةٍ، فضربه مرةً بالعِثْكَالِ أو بالمائةِ المشدُودة، لِم يَبَرَّ، لأنه لم يضربْه إلا مرَّةً، ولو حلف؛ لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ ضَرْبَةٍ، ففيه وجهان:

أظهرُهما: وهو الذي أورده الصيدلانيُّ: أن الجواب كذلك؛ لأنَّه لم يضربْهُ إلاَّ ضربةً واحدةً.

والثاني: يَبَرُّ؛ لأنه يحْصُلُ بكلِّ واحدٍ ضربةً، ولهذا يسقط به حدُّ الزنا, ولو حلف لَيَضْرِبَنَّهُ بالسوط، لم يَبَرَّ بالعصا والشماريخ؛ لأنه لا يقع عليهما اسم السوط، وإذا قال: مائةً سَوْطٍ، فالظاهر أنه لا يحْصَلُ البِرُّ بأن يضربه بعِثْكال عليه مائةُ شِمراخٍ، ولكن يبر بأن يجمع مائةَ سَوْطٍ ويشدَّها، ويضربَه بها دفعةً واحدةً، أو خمسين وَيضْرِبُه بها دفعتَيْنِ


(١) قال النووي: هكذا صور الجمهور مسألة الخلاف فيما إذا شك، وذكر الدارمي وابن الصباغ والمتولي أنه إذا شك، حنث، وإنما لا يحنث على المنصوص إذا غلب على ظنه إصابة الجميع، وهذا حسن، لكن الأول أصح, لأن بعد هذا الضرب شك في الحنث، والأصل عدمه قال أصحابنا: وإذا قلنا: لا يحنث، فالورع أن يحنث نفسه، فيكفر عن يمينه.

<<  <  ج: ص:  >  >>