للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والخريفُ فصلٌ بين الشتاء والصيف، والظاهرُ عنْدنا حَمْلُهَا عَلَى المُدَدِ المعلومة، ولو قال: أُكَلِّمُه يوماً ولا يومَيْنِ، فاليمين على يومين، فلو كلمه في اليوم الثالث لا يحنث، وهذا ما أورده أبو الحَسَنِ العباديُّ؛ قال: ولو قال يوماً ويومين، فاليمين على ثلاثة أيام؛ لأنه عطف مبتدأ، وأنه لو حلف؛ لا يكلِّم فلاناً وفلاناً أو فلاناً يحنث بكلامِ الثالث، أو كلام الأولَيْنِ، ولكن يجوز أن يريد ألاَّ يكلَم الأول، ولا أحد الآخرين، وحينئذٍ، فيَحْنَثُ بكلام الأول، أو بكلام أحد الآخَرْينِ، وينبغي أن يراجَعَ.

ولو قال: لا أكلم فلاناً أو فلاناً، وفلاناً يحنث بكلام الأول أو كلام الآخرين، لكن يجوز أن يريد أنه لا يكلِّم الثالث، ولا يكلِّم أحدَ الآخرين، وحينئذٍ، فيحنث بكلام الثالث، أو بكلام أحد الأولين، وأنه لو حلف؛ لا يساكنُهُ في الدنيا، ذكر أصحابنا وجهَيْنِ في أنه إذا نوى ألا يسكن هو، والمحلوفُ عليه في البلدة، هل يُحْمَلُ اليمين علَى ما نوى؟ وجه المنع أن ذلك ليس (١) بمساكنة، وإذا نوَى مَا لاَ يُطَابِقُ اللفظ، لم تعمل النية بمجرَّدها، وقاسُوهُ علَى ما إذا قال: لا أساكِنُهُ، وزعم أنه أراد المساكنة في إقليم، وأنه لو حلف ليهدِمَنَّ هذه الدار، فهدم سُقُوفَهَا، بَرَّ، ويجوز أن يُقَالَ: ينبغي أَلاَّ يبقى ما يسمَّى داراً، ولو حلف ليهدِمَنَّ هذا الحائط، أو لينقضنَّه فهذا علَى أن يهدمَ حتى لا يبقَى منه شيء يُسمَّى حائطاً، والكسر لا يعتبر فيه ما يزيل اسم الحائط، وأنه لو حلَفَ، لا يرتكب حراماً، فهو الزنَا، فإن كان الحالف خَصِيّاً أو مجْبِوباً، فعلى القُبْلَةِ الحَرَامِ ونحوها, ولو حلَفَ، لا يطأ امرأةً وطئاً حراماً، فوطئ امرأته، وهي حائضٌ أو مظاهرٌ منها, لا يحنث، ولا نساعدهم في المسألتَيْنِ.

في فتاوى الفقيه أبي اللَّيْث: أن قوله "حقاً أفعل كذا" ليس بيمين عند بعضهم، كقوله"صدْقاً" وقال آخرون: هو يمين، فإنَّ الحقَّ هو الله تعالَى، فكأنه قال الله أفعل كذا، وينبغي أن يجعل كنايةً، ويُراجع، وأن بعضَهم سُئِلَ عن قَصَّار ذهب من حانوته ثَوْبٌ، فَتَّهَم أجيراً له، وقال: (تومر ازيان كردى) (٢) فقال (من ترا زيان كردم) (٣) وحلف عليه، وكان قد أخذ الثوب، وهو لغير القصار، فقال: أخشى أن يحنث؛ لأن مراد القصار الخيانة فيما في يده لا حَقِيقَةُ المِلْك، وقد يوجَّه أيضاً بأنَّ أخذ الثوْب من حانوته إِضرارٌ به؛ لأنه يسوء الظن به، ويقع في معرض التهم، واللفْظُ مطلَقٌ للإِضرار لا الاِضرار في المملوك، وأن بعضهم قال: إذا حلف؛ ألاَّ يأكل من مالِ فلانٍ، ثم تناهدا هذا، فأكل الحالفُ من ذلك، قال: لا يحنث؛ لأنه أكل في عرف الناس من مالِ نفسه، ولينظر، أكان مالُ فلان مخلوطاً بماله، فأكل منه أو أكل من مال فلانٍ خاصَّةً،


(١) سقط من: أ.
(٢) جملة فارسية معناها: لقد آذيتني (ألحقت الضرر بي).
(٣) جملة فارسية معناها: لقد آذيتك.

<<  <  ج: ص:  >  >>