ولو نذر؛ أن يهدي مالاً معيناً، فيجب صرفه إلَى مساكين الحَرَمِ.
وحكى القاضي ابن كج وجهاً ضعيفاً أنَّهم لا يتعيَّنون، ثم يُنْظَرُ، إن كان المعيَّن من النعم، كما إذا قال: أهدي هذه البدنة أو الشاة، فيجب التصدُّق بها بعد الذَّبْح، ولا يجوز أن يتصدَّق بها حية؛ لأن في ذبحها قربةً، وهل يجب الذبح في الحَرَم؟ فيه وجهان:
أصحُّهما: نعم.
والثاني: يجوز أن يُذْبَحَ خارجَ الحرم، بشرط أن يُنْقَلَ اللحمُ فيه قَبْل أَنْ يتغيَّر، وقد سبق نظيره، وإن كان من غير النَّعم، فهو إما حيوانٌ لا يجوز التضحية به، أو مال آخرُ يتيسَّر نقله إلى الحرم، كما إذا قال: أهدي هذه الظبية أو الطائر، أو الحمار، أو الثوب، فيجب حمله إلى الحرم.
وأطلق مُطلِقُون أن مؤنة النَّقْل على الناذر، فإن لم يكن له مالٌ، بيع بعضه لنقلِ البَاقِي، واستحسن ما يُرْوَى عن القفَّال، أنه إِن قال: أهدي هذا، فالمؤنة عليه، فإن قال: جعلته هدياً، فالمؤنة فيه يباع بعضه، لكن قضية جعله هدياً أن يبلغ كلّه الحرم فيلتزم مؤنته، كما لو قال: أهدي، ثم إذا بلغ الحَرَم، فالظاهر أنَّه يجب صرْفُه إلَى مساكين الحرم، فالمقصود من تبليغه مكَّة أن ينتفعوا به، نعم، لو نوى صرفه إلَى تطييب الكعبة، أو جعل الثوب ستراً لها، أو قربة أخرَى هناك فله صرفه إلى ما نوى، وفيه وجه، وأن أطلق، فله صرفه إلى ما نوى.
وحكى الإِمام وجهاً أضْعَفَ من هذا؛ أن الثوب الصالِحَ للسِّتْر يُحْمَلُ عليه عند الإِطلاق، وذُكرَ أن قياسَ المذْهَب، والذي صرح به الأئمة: أن ذلك المال المعيَّن، يمتنع بيعه وتفرِقَةُ ثمنه، بل يُتَصدَّقُ بعينه، وينزل تعيينه منزلة تعْيين الضحية، وتعيين الشاه في الزكوات، ويُتصَدَّقُ بالظبية والطائر، وما في معناهما في الحياة، ولا يُذْبَحُ إذْ لا قربةَ في ذَبْحِها, ولو ذبحها، فنقصت القيمة، تَصدَّق باللحم، وغرم ما نقص، وفي "التتمة" وجه آخر: أنها تُذْبَحُ، وطردها فيما إذا أُطْلِقَ ذكر الحيوان.
وقلنا: لا يُشْتَرَطُ أن يهدي ما يجزئ في الأضحية، والظاهرُ الأولُ، ولو نذر إهداء بَعِيرٍ، معيب فهل يذبحه؟ فيه وجهان مذكوران في الكتاب:
أحدهما: نعم، نظراً إلَى الجِنْس.
وأظهرهما: المنع؛ لأنه إذا لم يصلُحْ للتضحية، لم يكن في ذبحه قربة، كالظبية، وإن كان المال المُعَيَّنُ مما لا يتيسَّر نقله؛ كالدار، والأرض والشجر وحجر الرحا، فَيُبَاعُ، وينقل ثمنه، فيُتصَدَّق به على مساكين الحرم، قال في "التهذيب": ويتولَّى الناذر