للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصيدلانيِّ: حمل النص عَلَى ما إذا عيَّن بعيراً، وقال: لله عليَّ أن أهدي هَذا، ثم أتلفه، فعليه أن يأتي بمثله، وذكر الأصحاب وجهين في أنَّه يتخيَّر بين بدَنَةِ مثلها، وبين البقر والغنم، أو هي على الترتيب؟ فإذا عدل إلى البقر والغنم، ينبغي أن يكون بقيمة البعير المعين.

وَعَدَّ القاضي الرويانيُّ هذا التأويل غلطاً.

ولو نذر شاةً، فجعل بدلها بدنةً، جاز، وهل يكون الكلُّ فرضاً؟ ذُكِرَ فيه وجهان:

والوجه الثاني: البحْثُ عن الصفات المرعيَّة في الحيوان المنذور مطلقاً، فإذا قال لله عليَّ أن أهدي بعيراً أو بقرة أو شاةَ فهل يُشْتَرَطُ أن يكون في السِّنِّ بحيث تجزئ في الأضحية؟ وأنْ تكون سليمةً من العيوب؟ فيه قولان؛ بناءً على أن مطْلَقَ النذر يُحْمَل على أقلِّ واجب من ذلك الجنس أو على أقلِّ ما يتقرب به، والظاهر الأول.

ولو قال؛ أضحِّي ببعير أو بقرة، ففيه مثل هذا الخلاف، قال الإِمام -رحمه الله-: وبالاتفاق لا يُجْزئ الفصيل (١) لأنه لا يسمى بعيراً، ولا العجلُ، والَمذكورةُ البقرةُ ولا السخلةُ (٢) والمذكورُ الشاةُ، ولو قال: أضحِّي ببدنة أو أهدي جرى الخلاف، ورأى الإِمام هذه الصورة، أولَى باشتراط السنن والسلامة؛ لشهرة اسْمِ البدنة في القرابِينِ، وهذا هو المذكور في الكتاب، ولو قال: لله عليَّ هدي أو أن أهدي، ولم يسمِّ، ففيه القولان إن قلنا: يُحْملُ النذر على أقلِّ ما يُتقرَّبُ به من جنسه فيخرج عن النذر بكل منحة، حتى الدجاجة والبيضة، وكل ما يتمول؛ لأن اسم الهَدْي يقع على الجميع، ألا ترى أن في قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث الجُمُعَةِ: "مَنْ رَاحَ في السَّاعةِ الْخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا أَهْدَى بَيْضَةً" (٣) وُينْسَبُ هذا القولُ إلى "الإِملاء" والقديم، وعلى هذا لا يجب تبليغه مكَّةَ، وهذا تناقض، وإن قلْنا: يُحْمَلُ عَلَى أقلِّ ما يجب من جنسه، حُمِلَ على ما يُجْزئ في الأضحية، وينسب هذا إلَى الجديد، وبه قال أبو حنيفةَ وأحمد -رحمهما الله- وقد توجَّه بأن الهْدَي شرعاً عبارةٌ عن ذلك، فيُحْمَلُ النذرُ على المعنى الشرعيِّ؛ كنذر الصلاة، وعلى هذا؛ فيجب تبليغه مكة، فإنَّ محل الهدْي الحرمُ قال الله تعالَى: [جدُّه]: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلُهُ} [البقرة: ١٩٦] مَحِلَّهُ" وفيه وجه ضعيفٌ، أنه لا يجب إلا أن يصرح به، ولو قال: عَلَى أن أهدي الهَدْيَ، انصرف النذر إلى المعهود الشرعيّ بالألف واللام، ولم يجروا فيه الخلاف.


(١) ولد الناقة أو البقرة بعد فطامه وفصله عن أمه. ينظر: المعجم الوسيط ٢/ ٦٩١.
(٢) الذكر والأنثى من ولد الضأن والمعز ساعة يولد. ينظر: المعجم الوسيط ١/ ٤٢٢.
(٣) متفق عليه من حديث أبي هريرة، وقد تقدم في "صلاة الجمعة".

<<  <  ج: ص:  >  >>