للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَدْرَهُ وقال: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لِمَا يَرْضَاهُ رَسُولُ الله" (١).

ونقول ثانياً: القضاءُ على ما ذكره أئمة اللغة والفقه، إحكام الشيء وإمضاؤه، ومنه: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الإسراء: ٤] والقضاء الإتمام، ومنه: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [البقرة: ٢٠٠] والقضاء الفراغ، ومنه: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص: ١٥] أي قَتَله وفرغ منه، ويُقَال: قضيت حاجتي.

وُسُمٌّ قَاضٍ أي قاتلٌ، فسُمِّيَ القضاء قضاءً؛ لأن القاضِيَ يتم الأمر بالفصل ويمضيه ويفرغ منه، وسُمِّيَ حَكَماً لما فيه من منع الظالم من الظلم، ومنه الحَكَمَةُ: ويقال: أحْكَمْتُ السَّفِيهَ إِذا أَخَذْتُ على يدِهِ ومَنَعْتُهُ.

ونقولُ ثالثاً: ترجمة الكتاب تتركَّب عن جُزَءَيْنِ أدب، وقضاء، ولا شَكَّ أن القَضَاء لا يَثْبُت للشخص من ذاته، وإنما هو ولايةٌ تَثْبتُ بالتَّوْلِيَة، وتزول بالعزل تارةً،


(١) رواه أحمد وأبو داود [٣٥٩٢ - ٣٥٩٣] الترمذي [١٣٢٧] وابن عدي والطبراني والبيهقي، من حديث الحارث بن عمرو عن ناس من أصحاب معاذ عن معاذ، قال الترمذي: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده بمتصل، وقال البخاري في تاريخه: الحارث بن عمرو عن أصحاب معاذ، وعنه أبو عون لا يصح، ولا يعرف إلا بهذا، وقال الدارقطني في العلل: رواه شعبة عن أبي عون هكذا، وأرسله ابن مهدي وجماعات عنه، والمرسل أصح قال أبو داود: أكثر ما كان يحدثنا شعبة عن أصحاب معاذ: أن رسول الله، وقال مرة عن معاذ، وقال ابن حزم: لا يصح، لأن الحارث مجهول، وشيوخه لا يعرفون، قال: وادعى بعضهم فيه التواتر، وهذا كذب بل هو ضد التواتر؛ لأنه ما رواه أحد غير أبي عون عن الحارث، فكيف يكون متواتراً، وقال عبد الحق، لا يسند، ولا يوجد من وجه صحيح، وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية: لا يصح، وإن كان الفقهاء كلهم يذكرونه في كتبهم، ويعتمدون عليه، وإن كان معناه صحيحاً، وقال ابن طاهر في تصنيف له مفرد في الكلام على هذا الحديث: اعلم أنني فحصت عن هذا الحديث في المسانيد الكبار والصغار وسألت عنه من لقيته من أهل العلم بالنقل، فلم أجد له غير طريقين، أحدهما طريق شعبة، والأخرى عن محمد بن جابر عن أشعث بن أبي الشعثاء عن رجل من ثقيف عن معاذ، وكلاهما لا يصح، قال: وأقبح ما رأيت فيه قول إمام الحرمين في كتاب أصول الفقه، والعمدة في هذا الباب على حديث معاذ، قال: وهذه زلة منه، ولو كان عالماً بالنقل لما ارتكب هذه الجهالة قلت: أساء الأدب على إمام الحرمين، وكان يمكنه أن يعبر بألين من هذه العبارة، مع أن كلام إمام الحرمين أشد مما نقله عنه، فإنَّه قال: والحديث مدون في الصحاح، متفق على صحته، لا يتطرق إليه التأويل، كذا قال رحمه الله، وقد أخرجه الخطيب في كتاب الفقيه والمتفقه من رواية عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل، فلو كان الإِسناد إلى عبد الرحمن ثابتاً، لكان كافياً في صحة الحديث، وقد استند أبو العباس بن القاص في صحته، إلى تلقي أئمة الفقه والاجتهاد له بالقبول، قال: وهذا القدر مغن عن مجرد الرواية، وهو نظير أحدهم بحديث: لا وصية لوارث، مع كون راويه إسماعيل بن عياش.

<<  <  ج: ص:  >  >>