للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه جمعاً بين الأخبار، وإن قلنا: بالظاهر، فإذا قام بعض الصالحين للقضاء به، سقط الفرض عن الباقين، وإن امتنع الكلُّ أثموا، ثم الإِمام يجبر واحداً منْهم كَيْلاَ تتعطْل المصالح، أو لا يجبر؛ لِئَلاَّ يلتحق فرض الكفاية العين، فيه وجهان أشبههما الأول.

قَالَ الغَزَالِيُّ: لَكِنْ فِيهِ خَطَرٌ فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يقْدِمَ عَلَيْهِ إِلاَّ مَنْ وَثِقَ بِنَفْسِهِ، وَأَخْذُهُ بِغَيْرِ سُؤَالٍ حَسَنٌ، وَأَخْذُهُ بِطَلَبٍ فِيهِ كَرَاهِيَةٌ، وَلَكِنْ إِنْ تَعَيَّنَ لِلولاَيَةِ وَلَمْ يَصْلُحْ غَيْرُهُ وَجَبَ الطَّلَبُ وَإِنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الخِيَانَةَ لَكِنْ يَجَبُ عَلَيْهِ تَركُ الخِيَانَةِ، وَإِنْ وَجَدَ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ مِنْهُ حَرُمَ الطَّلَبُ، فَإنْ قُلِّدَ فَفَي انْعِقَادِ الإِمَامَةِ لِلمَفْضُولِ خِلاَفٌ، وَفِي القَضَاءِ تَرَدُّدٌ، وَالأَصَحُّ أنَّهُ يُنْعَقِدُ، وَإِنْ وَجَدَ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ جَازَ القَبُولُ وَكُرِهَ الطَّلَبُ إِذَا لَمْ يَكُن بِهِ حَاجَةٌ إلَى رِزْقٍ، وإنْ وَجَدَ مَنْ هُوَ دُونَهُ وَقُلْنَا: لاَ يَنْعَقِدُ لِلمَفْضُولِ وَجَبَ الطَّلَبُ، وَإِنْ قُلْنَا: يَنْعَقِدُ لَمْ يَجِبْ وَجَازَ، وَفِي وُجُوبِ القَبُولِ إِذَا قُلِّدَ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ وَجْهَانِ، وَحَيْثُ لاَ يَجِبُ الطَّلَبُ فَإِنَّمَا يُبَاحُ القَبُولُ وَالطَّلَبُ إِذَا لَمْ بَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ الخِيَانَةَ، فَإِنْ خَافَ فَلْيَحْذَرِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: قوله: "لكن فيه خَطَر" أراد به أن الولاية لَمَّا أنَّهَا تفيد قُوَّة بعْد ضَعْف، وقدرة بعد عجز، تَتَّخِذُها النَّفْسُ المجبولةُ على الشرِّ ذريعةً إلى الانتقام من العدوِّ، والنظر للصَّدِيق، وتتبع الأغراض الفاسدة، ولا يوثق بحسن عاقبتها وسلامة مجاوزتها، فالأولى ألا يطلب ما أمكن، ولذلك قَالَ -صلى الله عليه وسلم- لِعَبْدِ الرَّحْمنِ بنِ سَمُرَةِ: "لا تَسْأَل الإِمَارَةَ فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسَأَلةِ وُكِّلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا" (١) وتفصيل حال الناس فيه، أن الشخص، إما أَلاَّ يصلح للقضاء؛ فلا يجوز تقليده، ولا يجوز له التقليد الطلب، لهاما أن يصلح له؛ فإما أن يتعين، أو يكون هناك غيره.

الحالة الأولَى: إذا تعين للقضاء، وجب عليه القبول، ويجب عليه أن يطلبه (٢)، ويشهر نفسه عند الإِمام، إن كان خاملاً، ولا يعذر بأن يخاف من نفسه الميل والخيانة، بل عليه أن يقبل ويتحرز، فإن امتنع، عصى، وهل يجبره الإِمام عليه، قيل: لا، لِمَا روَي أنَّه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّا لاَ نُكْرَهُ عَلَى الْقَضَاءِ أَحَدَاً" (٣).


(١) تقدم.
(٢) قال في القوت: ينبغي أن يكون موضعه أي موضع لزوم الطلب ما إذا ظن الإِجابة أو تردد فيها على السواء، أما إذا غلب على ظنه عدم إجابته لما علمه من فساد الزمان وأئمته فالظاهر أنه لا يلزمه الطلب نعم يجب عليه القبول إذا دعي.
(٣) قال الحافظ في التلخيص: لم أجده هكذا، وفي المعنى حديث أبي مسعود: بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ساعياً، وقال: لا ألقينك يوم القيامة تجيء وعلى ظهرك بعير له رغاء، قد غللته، قال: إذاً لا أنطلق، قال: إذاً لا أكرهك، أخرجه أبو داود.

<<  <  ج: ص:  >  >>