للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقضاةُ والولاةُ لا ينعزلون بموت الإِمام الأعظم وانعزاله، لشدة الضرر؛ في تعطيل الحوادث إلى أن يُنَصَّبَ إمامٌ، وتُنَصَّب قضاة والله أعلم.

قَالَ الغَزَالِيُّ: الثَّالثَةُ: لَوْ قَالَ بَعْدَ العَزْلِ: قَضَيْتُ بَكَذَا لَمْ يُقْبَل قَوْلُهُ إلاَّ بحُجَّةٍ، وَلَوْ شَهِدَ مَعَ عَدْل أَنَّ هَذَا قَضَى بِهِ قَاضٍ وَلَمْ يَذْكُرْ نَفْسَهُ فَوَجْهَانِ، وَقَبْلَ العَزْلِ يُقْبَل قَوْلَهُ بِغْيِر حُجَّةٍ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ. إذا قال القاضي بعد العزل: كنْتُ حكَمْتُ لفلان بكذا، لم يُقْبَلْ؛ لأنه لا يملك الحكمَ حينئذٍ، فلا يقبل إقراره به، وإنما يثبت حكمه بالبينة (١)، فإن شهد مع آخر على أنه حكم به، ففي قبول شهادته وجهان:

أحدهما: وبه قال الإِصطخري: أنها تُقْبَلُ؛ لأنه لا يُجْرِي بشهادَتِهِ نفعاً إلى نفْسِه، ولا يدفع ضرراً.

والثاني: لا يُقْبَل؛ لأنه يشهد على فعل نفسه (٢) وهذا أصح باتفاق الأصحاب.

كما إذا شهدت المرضعة على فعْلِ نَفْسِها؛ فقالت: أرضعتها، ففي قبول شهادتها وجهان مذكوران في "الرِّضَاع" واختلفوا في الراجح منهما؛ فمن رجح الوجه الذاهب إلى عَدَمِ القبول هناك؛ استوى البابان عنده، ومَنْ رجَّح القبول؛ فرق بأنَّ فعْلَ الحاكم مقصود، وفعل المرضعة لا اعتبار به، وإنما المعتبر وصول اللبن إلى الجوف، وبأن شهادته على حكمه يتضمن تزكية نفسه؛ لأن الحاكم لا بدَّ وأن يكون عَدْلاً، والمرضعة بخلافه، وإن قلْنا: بالأصح، فلو شهد المعزُولُ مع غيره أن حاكماً جائز الحكم حَكَم بكذا, ولم يضف إلى نفسه فوجهان:


= لو شرطه لزيد ثم لعمرو فنصب زيد لنفسه نائباً فيه ثم مات زيد فإنه ينعزل نائبه لا محالة ويصير النظر لعمرو بالشرط، انتهى. وهذا موضع مهم ثم رأيت كلام الشيخ البلقيني في ذلك فقال: ويستثنى من ذلك ما إذا شرط الواقف النظر لقاضي البلدة فلأن ما تام عنه ناظراً ثم مات القاضي فإنه ينعزل الناظر الذي أقامه من جهته لأنه ليس نظره بوصف القضاء مطلقاً بل بوصف القضاء بقيد تعيينه، فإذا زال عنه القضاء بعزل وانعزال أو بموت انعزل نائبه لأنه ليس نائب نظر قضاء صرف وصار نائب النظر المعين ينعزل بانعزاله. انتهى، وهذا ضرب غير الضربين الأولين من جهة تعيينه.
(١) قال الشيخ البلقيني: يستثنى منه ما إذا انعزل بالعمى فإنه يقبل قوله بعد عماه حكمت بكذا لأنه إنما انعزل بالعمى فيما يحتاج إلى الإِبصار، وقوله: حكمت بكذا لا يحتاج إلى إبصار فيقبل قوله فيه لبقاء ولايته فيه، قال: ولم أرَ من تعرض لذلك وهو فقه دقيق وبالقبول حقيق وهو مستمد من إنشاء الحكم بعد العمى. انتهى وهو في غاية التحقيق.
(٢) سقط من: ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>