للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الرَّافِعِيُّ: المشاورةُ مستحَبَّةٌ عَلَى ما قال تعالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩] قال الحسن البصريُّ -رحمه الله-: كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- غنيًّا عن مشاورتهم، ولكن أراد أن يستنَّ به الحاكمُ بعده، ولأن المشاورة أبعد من التهمة؛ وأطيب لنفوس الخصوم، وإنما يشاورِ العلماءَ الأمناء (١)، ويُسْتَحَبُّ أن يَجْمَعَ أصحابَ المذاهِبِ المختلفة؛ ليذكر كلُّ واحد منهم دليلَ مَذْهَبِه: فيتأمل القاضي فيها، ويأخذ الأرجح عنده، ثم الذين يشاورهم، إن شاءَ جمَعَهُمْ عنده، وإنْ شاء أقعدهم ناحيةً، فإذا احتاج، استدعاهم، وموضع المشاورة موضع تعارُضِ الآراء واختلاف وجوه النظر، وأما الحُكْمُ المعلومُ بنَصٍّ أو إجماعٍ أو قياسٍ جليٍّ فإنه لا يحتاج فيه إلى مشاورة.

وإذا حضر الذين يشاورهم، فإنما يذكرون ما عندهم، إذا سألهم، ولا يبتدِئُونَ بالاعتراض والرَّدِّ على حُكْمِه، إلا إذا كان حكماً مستَحَقَّ النقْضِ، على ما سيأتي تفصيله.

وقوله في الكتاب "أن يخرج بعد اجتماع الفقهاء"، كالصريح في أنه يُحْضِرُهُمْ قبل أن يجلس للحكم، وهذا، وإن لم يتعرَّضْ له المعظم، يجوز أن يُوَجَّه بأنهم بانتظاره أوْلَى منْه بانتظارهم. وهذا كقولنا: الإِمام يخرج إلى المصلى بعد اجتماع الناس والله أعلم.

قَالَ الغَزالِيُّ: السَّابِعُ: أَلاَّ يَشْتَرِيَ بِنَفْسِهِ وَلاَ بِوَكِيلٍ مَعْرُوفٍ حَتَّى لاَ يُسَامَحَ فِي البَيْعِ، وَلاَ يَقْبَلَ هَدِيَّةً مِمَّنْ لَهُ خُصُومَةٌ، فَإِنْ قَبِلَهَا فَهُوَ سُحْتٌ، وَفِي دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ وَجْهَانِ، وَمَنْ لا خُصُومَةً لَهُ فلا يَحْرُمُ أَخْذُهُ، والأوَلَى أَلاَّ يَأْخُذَ أَوْ يُثَيبَ عَلَيْهِ إِنْ أَخَذَ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: فيه مسألتان:

إحداهما: يُكْره (٢) للقاضي أن يتولَّى البيع والشراء بنفسه، أما في غير مجْلِس


(١) قال في القوت: قال جماعة من أصحابنا وهم الذين يجوز توليتهم القضاء، وقال آخرون الذين يجوز لهم الإِنشاء وهو الظاهر فيشاور الأعمى والعبد والمرأة لكن لا تحضر النسوة المجلس كما قاله الماوردي ولا يشاور الفاسق، قال وفي جواز مباحثته وجهان. قال القاضي الحسين وإنما يشاور من فوقه أو مثله في العلم إلا من دونه على الأصح وفيه نظر.
قال القاضي وإذا أشكل الحكم تكون المشاورة واجبة وإلا فمستحبة. انتهى.
(٢) تعبير المصنف بالكراهة أحسن من قضية كلام النووي في المنهاج أنه يندب أن لا يشتري ويبيع بنفسه لأنه لا يلزم من ترك المندوب الكراهة بل قد يكون خلاف الأولى.
قال الشيخ البلقيني في تصحيح المنهاج محل ندب ما ذكره فيما إذا احتمل وجود محاباة، فأما إذا تحقق عدم المحاباة فلا يكون مخالفًا للندب وكذلك محله فيما إذا أمكن أن يفعل ذلك غيره فإن لم يمكن ذلك فتعاطى ذلك بنفسه لم يكن مخالفًا للندب ولكن لا يتعاطى ذلك في مجلس الحكم. انتهى وأخذه صاحبه الزركشي في خادمه وزاده حسنًا فعبر بالكراهة إنما عبر بالندب منزلاً على ما في المنهاج لا أنه يرى عدم الكراهة. =

<<  <  ج: ص:  >  >>