للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آلة الاجتهاد، فلا يكون قوله حجةً عليه، وذكر الشيخ أبو إسحاق الشيرازيُّ وغيره؛ أن مالكًا وأحْمَدَ -رحمهما الله- قالا بِالقَوْلِ الأول، وأن أصحاب أبي حنيفة قالوا: إن خالف قولٌ القياسَ، فهو توقيفٌ تقدَّم على القياس، وعلى ذلك بِنوا الحكْمَ في نَذْرِ ذَبْحِ الولد؛ لقول ابن عباس -رضي الله عنهما- ثم في موضع القولَيْن طريقان فعن أبي بكر الصيْرَفِيِّ، والقفَّال أيضًا: أن القولين، فيما إذا لم يكُنْ مع قوله قياسٌ أصْلاً، أما إذا كان معه قياسٌ ضعيفٌ، فيحتج به، ويرجح على القياس القوي، وقال الأكثرون: لا فَرْقَ، فإنْ قلْنَا: بالقديم، وجب الأخْذُ به، وترك القياس، وفي تخصيص العموم به وجهان: وجْهُ الْجَوَازِ أنَّه يجوز تخصيصه بالْقِيَاسِ فيما تقدم عليه أولَى، ووجه المنع: أنهم كانوا يتركون أقوالهم بالعموميات، فأولى أن يَتْرَكَها غيرهم، فإن قلْنا: بالجديد، فهو كقول سائر المجتهدين.

نعم، لو تعارَضَ قياسان، أحدهما يُوَافِقُ قولَ الصحابيِّ، قال صاحبُ الكتاب في الأصول: قَدْ يَمِيلُ نفْسُ المجْتَهِد إلى ما يوافق قوْلَ الصحابيِّ، ويرجح عنده، هذا إذا لم ينتشر قوله، فإن انتشر، فإما أن يخالفه غيره ويوافقه سائر الصحابة، ويقولوا بمثل ذلك أو يسكتوا، فإن خالفه غيره، فعلَى الجَدِيد، هو كاختلاف سائر المجتهدين، وعلى القديم هما حُجَّتَان تعارضَتَا.

فإن اختص أحد الطرفين بكثرة العَدَد، أو بموافقة أحد الخلفاء الأربعة يُرَجِّح، نصَّ عليه في القديم في موافقة أبِي بَكْرٍ وعمرَ وعُثْمان -رضي الله عنه- وعلي -عليه السلام- في معناهم، لكنه اكتفى بذكرهم، وقيل بخلافه؛ لأنهم كانوا في دار الهجرة، والصحابةُ متوافرون، وكانوا في حكمهم وفتواهم يتشاورون، وعليٌّ -رضي الله عنه- انتقل إلى الكوفة، وتفرَّقَتِ الصحابةُ، ولم يُوجد واحدٌ من الأمرين في وَاحِدٍ من الطرفين أو وجد في كل واحدٍ منهما أحد الأمرين فهما سواء.

ولو كان في أحَدِ الطرفين أبو بكر وعمر، وفي الآخر عليٌّ وعثمانُ -رضي الله عنهم-، فيستويان، أو يترجَّح طرف الشيخين؟ فيه وجهان، ويشبه أن يَجِيءَ مثْلُهما في تعارُضِ الشيخَيْنِ حتَّى يستوي الطرفان على وجه، ويترجح طَرَفُ أبي بكْرٍ على الثاني، وإن وافقه سائرُ الصحابة، وقالوا بما قاله، فهذا إجماعٌ منهم على الحُكْم، ولا يُشْتَرَطُ فيه انقراضُ عَصْرِ المجمعين على أصحِّ الوجهين، ولا يتمكن أحد منهم من الرجوع، بل يكون قوله الأول مع قول سائر المجمعين حجَّةٌ عليه، كما هو حجة على غيرهم.

وإن سكتوا، فاختيار صاحب الكتاب في الأصُولِ أنه لَيْسَ بحُجَّة، والمشهُور عنْدَ الأصحاب خلافُهُ؛ لأنهم، لو لمَ يساعِدُوه، لاعْتَرَضُوا عليه، نعم، ذكروا وجهين في أنَّه، هَلْ يعدُّ ذلك إجماعًا؟ قال القاضي الرويانيُّ: وهذا إذا لم تظهر أمارات الرضا ممن

<<  <  ج: ص:  >  >>