للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سكت، فإن ظهرت، فهو إجماع بلا خلاف، قالوا: وأصحُّ الوجهين هاهنا انقراض العصر في كونه حجَّةً أو إجماعًا وهل يُفرق بين أن يكون ذلك القولُ مجرَّد فتوى أو حكمًا من إمام أو حاكم؟ فيه طرق عن ابن أبي هريرة: أنه، إن كان فتوى وسكَتُوا، انتهضت الحجة، وفي الحكم بخلافه؛ لأن الاعتراض على الإِمام ليس من الأدب، فلعل السكُوتَ كان لذلك، وعن أبي إسحاق عكْسُه؛ لأن الحكم يَصْدُر عن مشاورة ومراجعة.

وقال الأكثرون: لا فَرْقَ وكانوا يعترضون عَلَى الإِمام؛ كما يعترضون على غيره، ألا تَرَى أنهم خالفوا أبا بكر في الجَدِّ، وعمر -رضي الله عنه- في المُشَرّكة، هذا إذا نُقِلَ السكوتُ، أما إذا لم ينقلْ قَوْلٌ ولا سكوتٌ فيجوز ألاَّ يلحق بهذا، ويجوز أن يستدل به على السكوت؛ لأنه لو قال شيئًا، لنقل كما نقل اختلافهم في مسائل الاختلاف.

المسألة الثانية: قد يستحسن والشيْءُ بدليل يقوم عليه في كتاب أو سنة، أو إجماعٍ، أو قياسٍ، فيتبع ويستحسن لأَمْرِ يهجس في النفْس أو لعادةِ الناس من غير دليلٍ، أو على خلافِ الدليل، وهذا لا يجوز اتباعه وبناءُ (١) الحكْمِ عليه، وعن أبي حنيفة -رضي الله عنه- أنه يتبع ما يستحسن بالعادَةِ ويُتْرَكُ له القياس، وخَبَرُ الواحد دون الكتاب والسنة المتواترة، ومثل ذلك بقوله في أربعة شَهِدُوا على رجل بالزِّنا في بيْتٍ واحدٍ. وعين كلُّ واحد منهم زاويةً غَيْرَ ما عين أصحابه، أن القياس أن الشهود قَذَفَةٌ يُحَدَّونَ، وتُرَدّ شهادتهم (٢) ولكنِ استحْسَنَ قبول شهادتهم ورجم المشهود عليه، وفسر متأخرو أصحابه الاستحسان بأن يترك القياس بالسنة، وربما قالوا: هو القول بأقوى القياسين.

وعلى هذا فلا خلاف بيننا وبينهم.

القاعدة الثانية: اختلفتْ عباراتُ الأصحاب في تقسيم القياس، والأقرب إلى كلام الشافعيِّ -رضي الله عنه- أن القياس نوعان جليٌّ وغيْرُهُ، أما الجَلِيُّ، فهو الذي يُعْرَفُ به موافقةُ الفرع للأصل، بحيث لا يبقى احتمالُ مفارقتها، أو يبعد ذلك، كظهور التحاق الضرب بالتأفيف في قوله تعالَى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣] وما فوق الذرة في قوله تعالَى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: ٨] وما فَوْقَ النَّقِير، بالنقير في قوله تعالَى: {وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء: ١٢٤] والدينار بالقنطار في قوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ من إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: ٧٥] والقنطار بالدينار في قوله عَزَّ وَجَلَّ:


(١) سقط من: أ.
(٢) سقط من: أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>