للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَمِنْهُمْ من إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: ٧٥] ومن عرف شيئًا من هذه النصوص، لم يرتِّب في هذه الإِلحاقات؛ لأن الفروع أولَى بهذه الأحكام من الأصول.

وبعض الأصحاب لم يسم هذا النوعَ قياسًا، ويقول: هذه الإلحاقات مفهومة من النصوص ويقرب منها التحاقُ العمياء بالعوراء، في حديث المَنْع من التضحية بالعوراء (١)، ويليها التحاق سائر التغيرات المزعجة بالغضب، في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَقْضِي الْقَاضيِ، وَهُوَ غَضْبَانُ" (٢) وسائر الميتات بالفأرة وغير السَّمْن بالسَّمْن، في قوله في الفأرة تقع في السَّمْنِ، إن كان جامدًا فألقوها، وما حَوْلَها، وإن كان مائعًا فأرِيقُوهُ".

والغائط بالبَوْلِ في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ" (٣).

ومن الجلِيِّ ما ورد النصّ فيه على العلة، كما رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الرَّافَّةِ" (٤) وجعل ذِكْرَ المعاني في ترتيب الأحكام عليها، كما رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- سَهَا، فسجد (٥)، وأن ماعِزًا زنى، فرُجِمَ (٦)، وأن بريرة عَتَقَتْ، فخُيِّرَت (٧) عن النصِّ على العلة، وكذلك قولُه تعالَى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} إلى قوله: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: ٢٠، ٢١] لأنه بَيَّنَ أن العلة الإِفضاء.

والنوع الثاني: وهو غير الجَلِيِّ، وهو ما لا يزيل احتمال المفارقة، ولا يبعده كل البعد فمنه ما كانت العلَّة فيه مستنبطةً، كقياس الأرز على البر، بعلَّةِ الطّعْم، وعن ابن القاصِّ أنه من الجَليِّ أيضًا، والظاهر الأوَّلُ، ومنه قياس الشبه، وهو أن تُشْبِهَ الحادثةُ أصلَيْن، إِما في الأوصاف، بأن يشارك كلُّ واحد من الأصلين في بعض المعاني، والأوصاف الموجودة فيه أو في الأحكام، كما أن العبد يشارك الأحرار في بعض الأحكام والأقوال في بعضها، فيُلْحَقُ بما المشاركة معه أكثر من الأصلين.

وربما يُسَمَّى قياس الشبه خفيًّا والذي قبله من غير الجَلِيِّ واضحًا، وربما خص اسم الجلِيِّ ببعض النوع الأول وهو ما كان الفرع فيه أولَى بحكم الأصل، وسمى ما عداه واضحًا، وهذه أمور اصطلاحية.

القاعدة الثالثة: للأصحاب طريقان في المسائل الشرعية الَّتِي هي محَلُّ الاختلاف واختلاف المجتهدين.


(١) تقدم في بابه.
(٢) تقدم.
(٣) تقدم في الطهارة.
(٤) تقدم في الأضاحي.
(٥) تقدم في الصلاة.
(٦) تقدم في الحدود.
(٧) تقدم في النكاح.

<<  <  ج: ص:  >  >>