للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن الثاني أصح عند عامة الأصحاب، وأجابوا عن معنى التهمة؛ بأن القاضي لو قال: ثبت عندي، وصح لدي كذا، لزم قبوله، ولم يبحث عما صحَّ، وثبت به، والتهمة قائمة.

ويجوز أن يُعْلَمَ لفظ القولين في الكتاب بالواو؛ لأن من الأصحاب من حَكَى طريقة قاطعة بالقول الثاني؛ بناءً على ما نقل عن الربيع أن الذي كان يذهب إليه الشَّافعيُّ -رضي الله عنه- أن القاضي يقضي بعلمهُ وما كان يبوح به مخافة القضاة السوء، ولا فرق على القولين بين ما علمه في زمان ولايته ومكان ولايته وما علمه في غيرها، وعند أبي حنيفة: يقضي بما علمه في زمان ولايته، ومكان ولايته بشرط بقائه مولى من يوم العلم، إلى يوم القضاء.

ولا يقضي بما علم على غير هذا الوجه، فإن قلنا: لا يقضي بعلمه، فذاك، فيما إذا كان مستند القضاء مجرد علمه بالمحكوم فيه أما إذا شهد عنده شاهدان يعرف عدالتهما، فله أن يقضي، ويغنيه علمه بعدالتهما عن مراجعة المزكين، وفيه وجه آخر؛ لقيام التهمة.

ولو أقر بالمدعي في مجلس قضائه، قضى بعلمه، وذلك قضى بإقراره، لا يعلم القاضي، إن أقر عنده سرًا، فعلى القولَيْن في القضاء بالعلم، ومنهم من خصص القولين بما إذا علم المحكوم بنفسه، وقال: هاهنا نحكم بالإِقرار المعلوم، لا بمجرَّد العلم بالمحكوم فيه.

ولو شهد عنده شاهد واحد، فهل يغنيه علمه عن الشاهد الثاني؟ فيه وجهان:

أظهرهما: لا؛ لأن الحجة لم تتم.

والثاني: ويُحكَى عن مالك: نعم؛ لانكسار سَوْرَة التهمة، وأما إذا قُلْنا: إنه يقضي بعلمه، فذلك في الأموال، وأما في القصاص وحدِّ القذف، فقولان؛ لأن وجه المنع، أن العقوبات يُسعَى في رَفْعَها، ولا يُوسَّعُ بابها، والأظهر الجواز؛ اعتمادًا على حصول العلم، وبهذا أجاب في العدة؟ تفريعًا على هذا القول.

وإذا منعنا القضاء بالْعِلْم في القصاص وحدِّ القَذْف (١)، ففي حدود الله تعالَى أولى


(١) سواء أعلمه في زمن ولايته ومكانها أم في غيرهما وسواء أكان في الواقعة بينة أم لا لأنه نقض بالبينة وهي إنما تفيد ظنًا فبالعلم أولى لكنه مكروه كما أشار إليه الشافعي في الأم. فلو رام البينة نفيًا للريبة كان أحسن. قاله الغزالي في خلاصته، قال الزركشي: وليس لنا في الحجج ما لا يلزم معه الحكم إلا هذا. وذكر الماوردي والروياني أنه لا ينفذ إلا مع التصريح بأن مستنده علمه بذلك فيقول قد علمت أن له عليك ما ادعاه وحكمت عليك بعلمي، فإن اقتصر على أحدهما لم ينفذ الحكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>