للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"الوسيط": إن اعتبرنا مشافهةَ القاضِي، فلا بدّ من لفظ الشهادة، وإن لم نعتبره، ففي اشتراطه في الكتابة بالرِّسالَة وجهان، ولا يجوز أن يزكي أحد الشاهدين.

الثاني: وفيه وجه آخر: أنه نذكره في "باب الشهادة" وعن كتاب حرملة: أنه لو شهد شاهِدَانِ، وعدَّلَهما آخران لا يعرفهما القاضي وزكَّى الآخرين مزكِّيان للقاضي جاز.

المسألة الثانية: لا يثبت العادلة لمجرَّد رفعه المزكي؛ لأن الخَطَّ لا يعتمد على ما سبق، وإنما يكتب القاضي إلَى المزكِّي؛ لأنه قد يحتاج إلى البحث والتدبر الطويل، وكانت المراجعة بالرقاع أحْسَنَ، ثم الاعتماد على ما يجري أخيرًا، وعن القاضي الحُسين جواز الاعتماد على الرقعة، كما عليه العمل ثم ذكر في "الوسيط" تفريعًا على الأول: أن الإصطخري قال: يكفي رسولان مع الرّقْعة، وإن الأظْهَرَ وجوبُ المشافهة، وهذا ما أوردَه في الكتاب، وهو بَيِّنٌ، إن كان القاضي يحكم بشهادة المزكين، أما إذا ولى بعضهم للحكم بالعدالة والجرح، فليكن كتابه ككتاب القاضي إلى القاضي، وليكن الرسولان كالشاهدين على كتاب القاضي.

الثالثة: لا يقبل الجرح المُطْلَق بل لا بدّ من بيان سببِهِ (١)، خلافًا لأبي حنيفة. لَنَا: أنَّ الجارح قد يُبْنَى (٢) على ظَنّ خَطأ، كما قال الشافعيُّ -رضي الله عنه- رأيْتُ بمصر مزكيًا يجرح رجُلاً، فسُئِلَ عن سببه وأَلَحَّ عليه، فقال: رأيته يَبُول قائمًا، قيل: وما في ذلك؟ قال: يرد الريح من رشاشه عَلَى بدنه وثيابه، فيصلي فيه قيل: قد رأيته قد أصابه الرَّشَاش، وصلى فيه قبل أن يغتسل ما أصابه، قال: لا وأيضًا، فالمذاهب فيما يوجِبُ الفِسْق مختلفةٌ، فلا بدّ من البيان؛ ليعمل القاضي باجتهاده، ويجوز أن يقال: إذا عرف القاضي أنه لا يطلق الفسق، إلا إذا تحقق سببه، يجوز اعتماده، كما ذكرنا في الخبر عن نجاسة المَاءِ في أبواب الطهارات، وأما التَّعْدِيل، فَلا حاجة فيه إلى بيان السَّبَب؛ لأن العدالة بالتحرزُّ عن أسباب الفسق، وهي كثيرةٌ يعسر ضبْطُها وعدها، وفي "العدة" ذِكر وجهٌ ضعيفٌ أنه يجب بيانُ سبب التَّعْديل أيضًا، وهل يكفي أن يقول: هو عدل، قال في "الأُمِّ" و"المختصر": لا يقبل التعديل، حتى يقول: هو عدل عَلَيَّ وَلي فأخذ بظاهره آخذون، وعلَّلوا اشتراطه بمعنيين:

أحدهما: عن أبي إِسحاق: أن الإِنسان قَدْ يعدل على الإِطلاق، وقد يَعْدِلُ في شَيْءٍ دون شَيْءٍ، وعلى شخص دون شخص، وقوله: "هو عدل بمجرده" لا يفيد


(١) يستثنى ما لو قال أنا مجروح ففي الأشراف للهروي أنه يقبل قوله على نفسه وإن لم يفسر الجرح، ثم أشار إلى تخريج وجه بعدم القبول وعزاه بعضهم للروياني في البحر وقال في الخادم إنه أشبه.
(٢) سقط من: ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>