للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العدالة المطلقة، كقولنا: "فلان صادق" فإذا ضم إليه قوله: "على ولي" فقد أشار إلى العدالة المطلقة.

والثاني: أن اشتراطه؛ ليبيِّن أنه ليس بوالد ولا ولد، فإن تزكية الوالد لولده غَيْر مقبولةٍ، كالحكم لهما، وقال آخرون، منهم الإصطخريُّ وأبو عليِّ الطبريُّ: يكفي أن يقول: هو عدل والزيادة عليه تأكيد، وهذا أقوى وأصح؛ على ما ذكره صاحب "التهذيب" وغيره، والمعنيان ضعيفان، أما الأول؛ فلأنَّ العدالة قضيةٌ عامةٌ لا يوصف بها إلا من وَاظَب على المفروضات، واجتنب المحرمات، وبتقدير أن يكون الرجل عدلًا في شيء دون شيء، وقوله: "على ولي" لا يفيد العدالة المطلقة، كقول القائل "فلانٌ صادق على ولي" فإنه لا يقتضي صدقه في كل شيء، وأما الثاني، فمن وجهين:

أحدهما: أن قبول تزكية الوالد والولد وجهان، إن قبلناها سقط الكلام، وهو الذي أجاب به أبو الحسن العَبَّادِيُّ، فلا نسلم أنَّ قوله "عدل على ولي" يفهم أنه ليس بوالد ولا ولد، وهذا لأن العَدْلَ عَدْلٌ على أبيه وابنه ولهما إلاَّ أنه لا يقبل شهادته لهما؛ لمعنى البعضية، وبتقدير أن يفهم، نفي البعضية فالمعتبر ألاَّ يكون هناك بعضية فأما أن يتعرض له مطلقًا [.....] (١)، وهذا كما أن الشاهد لغيره ينبغي ألاَّ يكون أبًا له ولا ابْنًا، ولا يشترط أن يقول: لست بأَبٍ ولا ابْنٍ.

والثاني: أنه، لو كان الغرضُ بيانَ أنَّه ليس بأبٍ ولا ابْنٍ، فهذا الغرضُ يحْصُل بقوله: هو عدْلٌ على ولي، فإنَّ من تُقْبَل شهادته له، لا يكون أبًا ولا ابنًا، فليخرج قوله عليه مما يؤيد الوجه الثاني: أن القاضِيَ ابن كج نقل عن جماعة من الأصحاب أنهم جعلوا قول المزكِّي هو عدلَّ مرضيٌّ أو رضيٌّ أو مقبول الشهادة وافيًا مغنيًا عن قوله: "على ولي"، وحكَوْه عن نصه في حرملة، ومعلوم أن هذه الزيادات لا تشتمل على معنى "علي ولي" فدل على أن ذكره جرى تأكيدًا، ثم حكَى هذا القاضي؛ تفريعًا على اعتبار كلمتي "على ولي" وجهين؛ أن اعتبارهما مخصوصٌ باختيار المَسْؤولين أصحاب المسائل، أو شامل لأخبارهم إياهم ولأخبار أصحاب المسائل القاضي ولا فقه في الفرق ولا يحصل التعديلُ بقوله: لا أعلم منه إلا خيرًا؛ لأنه قد لا يعرف منه إلا الإِسلام، ويقول: لا أعلم منه ما يوجب رَدَّ الشهادة؛ لأنه قد لا يعرف ما يوجب القَبُولَ أيضًا، والله أعلم، ولا يخفى بعد ما ذكرنا المواضع المستحقة للعلامات من لفظ الكتاب، وأن قوله "ولا يعتمد في الجرح إلا العيان" غَيْر معمول بإطلاقه.

وقوله في الكتاب: "فيقول: أشهد أنه عدل مقبول الشهادة" ينبغي أن يعرف فيه شيئان:


(١) بياض في أ، وفي ز: "فلم" ولا يظهر لها معنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>