أحدهما: أن الوصف بأنّه مقبول الشهادة يجب أن يغني عن الوصف بالعدالة.
والثاني: أن في هذا الكلام إشعارًا بأن المزكي يتوظَّف عليه بيانُ أن شهادته مقبولةٌ في الحادثة، ويوافقه قولُنا من قبل: إن القاضي يكتب اسم المشهود عليه، فقد يكون بينه وبين الشاهد عداوةٌ واسم المشهود له فقد يكون بينهما ولادةٌ، وعلى هذا، فالمزكي كما يحتاج إلى البحث عن العدالة، إذا لم يعرف بنفسه يحتاج إلى البحث عن المروة، وعن التيقظ ولكن يشبه أن يقال: إن الحال يختلف بحسب سُؤَال القاضي، إن سأل عن قبول شهادته في الحادثة تَعَرَّض المزكي للقَبُول واحتاج إلى الأبحاث المذكورة، إذا لم يعرف، وإنه سأل عن عدالته، كفاه التعرض لها.
أحدها: إذا ارتاب القاضي بالشهود أو توهَّم غلطهم؛ لخفة عقل وجدها فيهم، فينبغي أن يفرقهم، ويسأل كلَّ واحدٍ منهم عَنْ وَقْتِ تحمُّل الشهادة عامًّا وشهرًا ويومًا وغدوةً وعشيةً، وعن مكانًا ومحله، وسكةً ودارًا وصفةً أو صحنًا، ويسأل أنه تحمل وحده أو كان هناك غيره وأنه كتب شهادته أم لا، وكتب قبل ما كتب فلان أو بعده، وكتبوا بحبر أو بمداد وما أشبه ذلك؛ ليستدل على صدقهم، إن اتفقت كلمتهم، ويقف على عوره، وإن لم يتفق، ويقال: إنَّ أوَّل من فرَّق الشهود دانيال النبيُّ -عليه السلام - شهد عنْدَه شهودٌ بالزنا على امرأَةٍ، ففرقهم وسألهم، فقال، أحدهم: زنتْ بشابٍّ تحت شجرة كُمَّثْرَى، وقال آخر: تحت شجرة تُفَّاحٍ، فعرف كذبهم (١)، وإِذا أجاب بعْضَهم عما سأل، لم يدعه يرجع إلى الباقين حتى يسألهم أيضًا كيلا يخبرهم الأول بجوابه، ومهما اتفقوا في الجواب، أو لم يتعرَّض للتفصيل، ورأى أن يعظهم ويحذرهم عقوبةَ
(١) رواه البيهقي من رواية أبي إدريس قال: كان دانيال أول من فرق بين الشهود، فذكره مطولاً، وقد روى الحسن بن سفيان في مسنده، وابن عساكر في ترجمة سليمان من طريقه من حديث ابن عباس قصة طويلة لسليمان بن داود، في الأربعة الذين شهدوا على المرأة بالزنا، لكونها امتنعت منهم أن يزنوا بها، فأمر داود برجمها، فمروا على سليمان، ففرق بين الشهود، ودرأ الحد عنها، فعلى هذا هو أول من فرق.