للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شهادةِ الزُّور، فَعَل، فإن أصروا وجب القضاء، إذا تحقق شروطه، ولا عبرة بما يبقى من ريبة، وإن لم يجد فيهم خفَّة عَقْلٍ ومخيلة نَقْصٍ، فالمنصوصُ والمشهورُ أنَّه لا يفرقهم؛ لأن فيه غضًّا منهم، وذكر القاضي الرويانيّ في "جمع الجوامع" أنه يفرقهم أيضًا، ليقف على عورة إن كانت، وقال في "التهذيب": إن فرقهم بمسألة الخصم، فلا بأس، فإن قلت: متى يفرقهم القاضي قبل التزكية أو بعدها؟ وهذا التفريق والاستفصال واجبٌ أو مستحبٌّ؟ قلنا: أما الأوَّلُ فإنَّ صاحبَ الكتاب أمر بالبحث والاستفصال بعد التزكية، والذي ذكره أصحابنا العراقيُّون وغيرهم أنَّه يقدم التفريق والاستفصال على الاستِزْكاء، وهو الوجه، فإِنه إن طلع على عورة استغنى عن الاستزكاء والبَحثْ عن حالهم، وإن لم يطلع، فإن عرفهم بالعدالة، قضى، وإن لم يعرفْهم، فحينئذٍ يستزكي.

وأما الثاني: فإن الإِمام وصاحب الكتاب في "الوسيط" حكما بالوجوب، وقالا: لو ترك الاستفصال، وقضى مع الارتياب، لم ينفذ قضاؤه، وعامة الأصحاب، ومنْهم القاضي ابن كج وصاحبُ "التَّهذيب" -رحمهم الله- اقتصروا على الاسْتِحْباب، وهو الموافِقُ بِـ"المختصر"، وربما أورد بعضهم الفرق بين أن يسأل الخَصْم التفريق، فيجب؛ لأنه قد يعرف منْهم ما لا يعرفه القاضي، أو لا يسأل، فلا يجب.

الثاني: تقدم بينة الجرح على بينة التعديل؛ لأن عند الجارح زيادةً على ما خفي على المُعَدِّل؛ وذلك لأن المُعَدِّل يبنى عَلَى ما هو الأصل الظاهر من حال المسلم، والجارحُ اطَّلَع على ما نسخ ذلك الأصل، فنقل عنه، وشبه ذلك بما لو قامت بينة علَى الحق، وبيِّنةٌ على الإبراء، ولو انعكست القضية بأن قال المعدِّلُ: قد عرفت السبب الذي ذكره الجارح، لكنه قد تاب، وحسنت حالته، فتقدم بينة التعديل؛ لأن مع المعدِّل، والصورة هذه، زيادة عُلِم، كذلك ذكره جماعةٌ منهم صاحب "الشامل" وقول الواحدِ في الجَرح لا يقابل بينة التعديل فضلاً عن التقدُّم؛ لأنَّ نصاب الجرح لم يَتِمَّ.

الثالث: إِذا عدل الشاهد، ثم شهد في واقعة أخْرَى، نُظِرَ، إن لم يطل الزمانُ، يحكم بشهادته، ولا يطلب تعديله ثانيًا، وإن طال فوجهان:

أحدهما: أن الجواب كذلك؛ لأن عدالته قد ثبتَتْ من قبل، والأصل استمرارها.

وأظهرهما: وهو المذكور في الكِتَابِ، وبه قال: أبو إِسحاق: يطلب تعديله ثانيًا، لأن طول الزمان يغيِّرُ الأحوال، ويجتهد الحاكم في طول المدة وقصرها (١).


(١) قال في الخادم: إن الخلاف عن الطول في غير الشهود المرتبين عند الحاكم، أما هم فلا يجب طلب التعديل قطعًا، قاله الشيخ عز الدين في قواعده وقد يجيء فيه وجه وبالخلاف فيه صرح الهروي في الأشراف قال إلا إن الأصح أنه لا يطلب لأنه أشق كما ينعقد النكاح بشهادة المستور =

<<  <  ج: ص:  >  >>