للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الغَزَالِيُّ: الرُّكْنُ الثَّالِثُ: إِنْهَاءِ الحُكْمِ إِلَى القَاضِي الآخَرِ: وَذَلِكَ بِأَنْ يَشْهَدُ شَاهِدَانِ عَلَى تَفْصِيلِ حُكْمِهِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكْتُبَ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ مَخُتُومٍ، والاعْتِمادُ عَلَى الشَّهادَةِ فَلَوْ شَهَدَ بِخِلاَفِ مَا فِي الكِتَابِ جَازَ، وَلَوْ قَالَ القَاضي: أَشْهَدتَّكُمَا عَلَى أَنَّ مَا فِي الكِتابِ خَطِّي لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ، فَلَوْ قَالَ: مَا فِي الكِتَابِ حُكْمِي فالأَظْهَرُ أنَّهُ لا يَكْفِي مَا لَمْ يُفَصِّلْ لَهُمَا مَا حَكَمَ بِهِ، وَلَوْ قَالَ المُقِرُّ: أَشْهَدَتُّكَ عَلَى مَا فِي القَبَالَةِ وَأَنَا عَالِمٌ فالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكْفِي حَتَّى إِذَا حَفِظَ الشَّاهِدُ القَبَالَةَ أَوْ مَا فِيهَا وَشَهِدَ عَلَى إِقْرارِهِ جَازَ إِذِ الإِقْرارُ بَالمَجْهُولِ صَحِيحٌ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: القاضي بعْدَ سَماَعِ الدعْوَى والبيِّنة على الغائب تارَةً يقتصر علَيْهِ، وينهي الحال إِلى قاضي بلَدِ الغائب؛ ليحكم ويستوْفِي (١) وتارة يحلف كما مر، ويحكم، وعلى التقدير الثاني، فقد يكون للغائب مالٌ حاضرٌ، يمكن توفير الحق منه، فيوفر، وقد لا يكون كذلك، فيسأل المدعي القاضي إِنهاء الحكم إِلى قاضي بلَدِ الغائب، فيجيبهِ إليه، وللإِنهاء طريقان:

أحدهما: أن يشهد على حكمه عدلَيْن يخرجانِ إِلى ذلك البلد، والأولى أن يكتب بذلك كتابًا أولاً ثم يشهد، أما الكتاب، فصورته: حضر عافَانا الله وإِياك فلانٌ، وادَّعَى على فلانٍ الغائب المقيم ببلدِكَ كذا وكذا، وأقام عليه شاهدَيْنِ، وهما فلانٌ وفلانٌ، وقد عُدِّلاَ عندي، وحَلَّفتُ المدَّعِيَ، وحكمت له بالمال، فسألني أن أكتب إِليك في ذلك، فأجبته إِليه، وأشهدتُّ عليه فلانًا وفلانًا ولا يشترط تسمية الشاهدَيْنِ على الحكم، ولا ذكر أصل الإِشهاد ولا النص عَلَى أسامي شهود الحق، بل يكفي أنَ يكتب: شَهِدَ عنْدِي شهودٌ عدولٌ، ويجوز أَلاَّ يصفهم بالعدالة، فيكون الحكم بشهادتهم تعديلاً لهم ذكره في "العدَّة" ويجوز ألا يتعرض لأصل شهادة شهودٍ، فيكتب: حكمت بكذا بحجَّة أوجبت الحكم؛ لأنه قد يحكم بشاهدٍ ويمينٍ، وقد يحكم بعلمه، إِذا جوَّزْنا القضاء بالعِلْم، وهذه حيلةٌ يدفع بها القاضي قَدْحَ أصحاب الرأي، إذا حكم بشاهدٍ ويمينٍ وفي فحوى كلام الأصحاب وجْهٌ مانع من إبهام الحجَّة؛ لما فيه من سدِّ باب الطعن والقدح على


(١) قضية كلامهم أنه لا يشترط في عمل القاضي المكتوب إليه بكتاب القاضي الكاتب أن يكون الثاني عالمًا بصحة ولاية الأول وبصحة أحكامه وكمال عدالته وإن اشترط ذلك الماوردي فإن الجمهور جوزوا الكتاب المطلق والكتاب إلى معين وإلى كل من يبلغه من قضاة المسلمين.
قال الأذرعي: ومن المعلوم أن غالب قضاة البلاد المتباعدة والأقطار المتنائبة لا يعرف بعضهم من حال بعض شيئًا فيتعذر العمل بالكتاب في أكثر الأحوال إن لم يكن له مال حاضر أو كان فطلب المحكوم له إنهاء الأمر إلى قاضي بلد الغائب.

<<  <  ج: ص:  >  >>