الخَصْم، ويُستحبُّ للقاضي أن يختم الكتاب، ويدفع إلى الشاهدَيْنِ بنسخةٍ غَيْرِ مختومة ليطالعاها، ويتذكرا عند الحاجة، وأن يذكر في الكتاب نَقْش خاتمه الذي يريد الخَتْم به، وأن يثبت اسْمَ نفسه واسْم المكتوب إِليه في باطن الكتاب، وفي العنوان أيضًا، وعن أبي حنيفة أنه يشترط ختم الكتاب، وإِثبات الاسمين في الباطن، وأما الإشهاد، فإن أشهدهما عَلَى أنه حكم بكذا ولا كتاب شهدا به، وقبلت شهادتهما، وإِن أنشأ الحكم بَيْنَ يديهما، فلهما أن يشهدا، وإِن لم يشهدهما، وإِن كتب، ثم أشهد، فينبغي أن يقرأ الكتاب أو يقرأ بيْن يديْه علَيْهِما، ويقول لهما: اشْهدا علَيَّ بما فيه أو علَيَّ بحكمي المبيَّن فيه، وفي "الشامل": أنَّه لو اقتصَرَ عَلَى قوله بعد القراءة "هذا كتابِي إِلَى فلانٍ" أجزأ (١)، وحكى القاضي ابن كج وجْهًا: أنه يكفي مجرَّد القراءة عليها، والأحوط أن ينظر الشاهدان في الكتاب وقْتَ القراءة عليهما، ولو لم يقرأ الكتاب عليهما، ولم يعلما ما فيه، وقال القاضي: أشهدتكما عَلَى أن هذا كتابي، وما فيه خطى، لم يكف، ولم يكن لهما أن يشهدا عَلَى حكمه، فإن الشيء، قد يكتب من غير قصد تحقيقه تحقيقه، وعن أبي حنيفة: أنه، إِذا وقع الكتاب إِليهما مختومًا، وقال: هذا كتابي، وكفى، ولو قال: أشهدكما، عَلَى أن ما فيه حُكْمِي أو على إنِّي قضيتُ بمضمونه، ففيه وجهان:
أظهرهما: أنه لا يكفي ما لم يُفَصِّل لهما ما حَكَم به.
والثاني: وبه قال الإصطخريُّ: يكفي لإِمكان معرفة التفصيل بالرجوع إِليه، ويجري الخلاف فيما لو قَالَ المِقرُّ أشهدتك علىَ ما في هذه القبالةِ، وأنا عالم به، لكنَّ الصحيح عند صاحب الكتاب في الإِقرار أنَّه يكْفِي حتَّى لو سَلَّم القبالة إِلى الشاهد، وحفظها الشاهد، وأمن التحريف، جاز له أن يشهد على إِقراره، وفَرَّق بينهما بأنه مقر على نفسه، والإقرار بالمجهول صحيحٌ، وأما القاضي، فإنه مخبر عن نفسه بما يرجع ضرره إلَى الغَيْر، فالاحتياط فيه أَهَمُّ، والذي أجاب به الصَّيْمَرِيُّ في "مختصرٍ" جمعه في أحكام الشهادات: أنه لا يكفي ذلك في الإِقرار أيضًا، حتى يقرأه، ويحيط بما فيه، وذكر أنَّه مذهب الشافعيِّ، وأبي حنيفة -رحمهما الله- ويشبه أن يكُونَ هذا الخلافُ في أنَّ الشاهد، هَلْ يشْهدُ على أنَّه أقر بمضمون القَبَالَةِ، على التفصيل، وأما الشهادة على أنَّه أقرَّ بما في هذا الكتاب مبهمًا، فما ينبغي أن يكون فيه خلافٌ كسائر الأقارير المبهمة، وسواءٌ شهد هكذا أو هكذا، فإِنما يشهد، إِذا كان الكتابُ محفوظًا عنده، وأمن التصرّف فيه، ثم هاهنا مسألتان:
أحدهما: أن التعويل على شهادة الشهود، والمقصودُ من الكتاب التذكر، ومن