الختم الاحتياط وإِكرام المكتوب إِليه، فلو ضاع الكتاب أو انمحى أو انكسر الختم، وشهدا بمضمونه المضبوط عنْدهما، قبلت الشهادة، وقضى بها، فلو شهدا بخلاف ما في الكتاب عمل بشهادتهما، وعن أبي حنيفة: أن الشهادة لا تقبل إِلا على الكتاب، ولا يكفي الكتاب المجرد؛ لما سبق أنه لا اعتماد على الخطِّ، وعن مالك: أن المكتوب إِليه، إذا وثق بالخطِّ والختم قبله، وفي "المهذَّب" وجه مثله عن الإِصطخريِّ.
والثانية: لا بدّ من إِشهاد رجلَيْن عدلَيْن، فلا يقبل في الباب شهادةُ رجُلٍ وامرأتين، خلافًا لأبي حنيفة، وحكى القاضي ابن كج وجهًا للأصحاب مثله، إذا تعلَّقت الحكومة بمالٍ، وذكر أنه لو كان كتاب القاضي رؤية هلال رمضان، كفى شهادة واحدٍ على قَوْلنا: إِنه يثبت الهلال بشهادة واحد إجراء للكتاب مُجْرَى المكتوب فيه، وإِنه لو كتب في الزنا، وجوَّزنا كتاب القاضي إِلى القاضي في العقوبات، فيثبت بشهادة رجلَيْن أم لا بدّ من أربعةٍ؟ فيه وجهان كالقولَيْن من الإِقرار بالزِّنَا، والله أعلم.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: كتابُ القاضِي وحامِلِهِ، إِذا انتهيا إلَى قاضي البلد الآخر، فيحضر الخصم فإن أقر بالمدعي استوفاه، وإلا، شهد الشاهدان أنَّ هذا كتاب القاضي فلان وختمه، حَكَمَ فيه لفلانٍ بكذا عَلَى هذا، وقرأه علينا وأشهدنا به، ولو لم يقولوا: أشهدنا، جاز، وعن أبي حنيفة: أنه لا يجوز، ولا يجوز ألا يتعرضا لحكمه، ويقتصر على ذكر الكتاب والختم، خلافًا لأبي حنيفة، ثم في "التهذيب" و"الرقم": أن القاضي إِنما نقض الختْمَ بعْد شهادة الشُّهود، وتعدليهم وذَكَر القاضي أبو سعد الهرويُّ أنه يفتح القاضي الكتابَ أوَّلاً، ثم يشهد الشُّهود، ويوافق هذا قوْلَ كثير من الأصحاب أن الشهود يقرؤون الكتاب، ثم يَشْهَدُونَ، لِيَقِفُوا عَلَى ما فيه وَيعْرِفوا أنه عَرَفَ ما فيه، وليس هذا خلافًا في الجواز، وكيف، وقد عَرَفْتَ أن الختم من أصْلِهِ لا اعتبار به، وكما يقبل الشهادة على ما لا ختم عليه يقبل على المفضوض الخَتْم، فضه القاضي أو غيره، وإِنَّما الكلام في الأدب والاحتياط.
ويحسن أن يقال: إن كان ما في الكتاب مضبوطًا لهم فالأوْلَى أَلاَّ يفض حتى يتم الشهادة والتعديل، وإلاَّ احتاجوا إلى مطالعة وتذكر، فيشهدون على الكتاب والختم، ثم يفض فيقرأ عليهم، ثم يشهدون عَلَى حكمه بما فيه، وقد ذكر ابن القاصِّ في أدب القاضي قريبًا من هذا، إذا عرف ذلك ففي الفصْل مسألتان: