للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأظهرهما: أنه يعتد به؛ لما تقدم من الخبر، وما ادعاه الأول فلا نسلم أن صفة الوتر ذلك، بل يكفي كونه وتراً في نفسه، وعلى التسليم فإنه يوتر ما قبله من فريضة العشاء، فإذا قلنا: لا يعتد به وتراً فقد ذكر إمام الحرمين أنه تَطَوُّعٌ، وإن لم يكن الوتر المشروع، وهذا ينبغي أن يكون على الخلاف فيما إذا نوى الظهر قبل الزوال، هل يكون تطوعاً، أم يبطل من أصله.

واعلم أن المصنف قيد المسألتين في "الوسيط" أعني الإيتار قبل فرض العشاء وبعده بما إذا أوتر بركعة، وهذا القيد لا حاجة إليه في المسألة الأولى بل أطلق الأئمة المنع، وعليه يدل الخبر، وأما في المسألة الثانية فهو محتاج إليه؛ لأن الناقلين للوجهين إنما نقلوهما فيما إذا أوتر بركعة واحدة وليس بينهما وبين فرض العشاء شيء.

وقوله في الكتاب: (وفي صحته بركعة (١) بعد الفرض وقبل النقل وجهان) يحتاج إلى التقييد والإضمار. معناه: وفي صحة الإيتار بركعة بعد الفرض وقبل أن يتنفل بشيء سواء كان راتبة العشاء، أو الشفع، أو صلاة الليل، والذي يسبق إلى الفهم من ظاهر اللفظ راتبة العشاء، ومطلق الوتر دون الإيتار بركعة.

وقوله: (من شروط الوتر أن يوتر ما قبله) يبين أنه لا بد من تقدم صلاة عليه، ثم هل يكفي تقدم الفرض؟ فيه الخلاف وقوله: (فلا يصح قبل الفرض) معلم بالحاء والواو؛ لما روينا.

وأما قوله: (ويستحب أن يكون الوتر آخر تهجده بالليل) ففي لفظ (التهجد) ما يغني عن قولهْ (بالليل)؛ لأن صلاة النهار لا تسمى تهجداً بحال، ثم فيه مباحثة، وهي أن التهجد يقع على الصلاة بعد الهجود، -وهو النوم- يقال تهجد: إذا ترك الهجود وأما الصلاة قبل النوم فلا تسمى تهجداً (٢)، وإذا كان كذلك فاللفظ لا يتعرض إلا لمن تهجد، فمتى يوتر من لا تهجد له، ثم لفظ الكتاب يقتضي تأخير المتهجد الوتر إلى أن يقوم ويصلّي، فَهَلْ هو كذلك أم لا؟ إن قلتم: لا. فكيف يفعل أيوتر مرة قبل النوم، ومرة بعد ما نام وتهجد، وهذا خلاف ما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ وِتْرَانِ فِي لَيْلةٍ" (٣)، أم يقتصر على ما قبل النَّوْمِ وحينئذٍ لا يكون الوتر آخر التهجد.


(١) سقط من "ب".
(٢) أخرجه ابن أبي خيثمة من طريق الأعرج عن كثير بن العباس عن الحجاج بن عمرو قال الحافظ ابن حجر في التلخيص بإسناده حسن (١/ ١٦).
(٣) أخرجه أبو داود (١٤٣٩) والترمذي (٤٧٠) وقال حسن غريب والترمذي (٤٧٠) والنسائي (٣/ ٢٢٩ - ٢٣٠) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (٦٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>