للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن قلتم: إنه يؤخر الوتر إلى أن يقوم ويصلي، كما يقتضي لفظ الكتاب، فهذا خلاف ما نقله في "الوسيط"؛ لأنه نقل الخبر المشهور أن أبا بكر -رضي الله عنه-: "كَانَ يُوتِرُ ثُمَّ يَنَامُ، ثُمَّ يَقُومُ وَيتَهَجَّدُ، وَأَنَّ عُمَرَ -رَضِيَ الله عَنْهُ- كَانَ يَنَامُ قَبْلَ أَنْ يُوتِرَ، ثُمَّ يَقُومُ، وَيُصَلِّي، وُيوتِرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لِأَبي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ أَخَذَ بالْحَزْمِ، وَقَالَ لِعُمَرَ -رَضِيَ الله عَنْهُ- أَنَّهُ أَخَذَ بِالْقُوَّةِ" (١).

ثم ذكر أن الشافعي -رضي الله عنه- أختار فعل أبي بكر -رضي الله عنه- وكذلك نقل صاحب "النهاية"، والجواب أنه يستحب أن يكون الوتر آخر الصلاة بالليل، روي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْراً" (٢).

فإن كان الرجل ممن لا تهجد له فينبغي أن يوتر بعد فريضة العشاء وراتبتها، ويكون وتره آخر صلاته بالليل، وأما من له تهجد فقد ذكر أصحابنا العراقيون أن الأفضل له أن يؤخر الوتر، كما نقل عن فعل عمر -رضي الله عنه-، واحتجوا له بما روي عن جابر - رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ خَافَ مِنْكُمْ أَنْ لاَ يَسْتَيْقِظُ مِنْ آخِرَ اللَّيْل، فَلْيُوتِرْ مِنْ أوَّلِ اللَّيْلِ، وَمَنْ طَمِعَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَيقِظَ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ، فَإِنَّ صَلاةَ آخِرِ اللَّيلِ مَشْهُودَةٌ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ" (٣). وهذا هو الموافق للفظ الكتاب، وأما ما نقله في "الوسيط" فيجوز أن يجمع بينهما بحمله على من لا يعتاد قيام الليل، فيقال: إن الأفضل له أن يقدم؛ لأنه من الانتباه على خطر ظاهر، ويجوز أن يقدر فيه اختلاف وجه أو قول، وبالجملة فالأمر فيه قريب، وكل سَائِغٌ، روي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَأَوْسَطِهِ، وَآخِرِهِ، وَإِذَا أَوْتَرَ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ، ثُمَّ قَامَ، وَتَهَجَّدَ لَمْ يُعِدِ الْوِتْرَ" (٤). وكذلك روي عن فعل أبي بكر -رضي الله عنه-، ومن أصحابنا من قال: يصلي ركعة حتى يصير وتره شفعاً، ثم يتهجد ما شاء، ثم يوتر ثانياً، ويروى ذلك عن ابن عمر -رضي الله عنهما- يسمى ذلك نقض الوتر.

وأما قوله: (ويشبه أن يكون [الوتر هو التهجد)(٥) فهذا قريب من لفظ الشافعي - رضي الله عنه- في "المختصر" و"الأم" قال الشارحون: معناه أن الله تعالى أمر نبيه -صلى الله عليه وسلم- بالتهجد، وأوجبه عليه فقال: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ (٦) نَافِلَةً لَكَ} وقوله: {نَافِلَةً لَكَ} (٧)


(١) أخرجه أبو داود (١٤٣٤) والحاكم (١/ ٣٠١) وقال صحيح على شرط مسلم.
(٢) أخرجه البخاري (٩٩٨) ومسلم (٧٥١).
(٣) أخرجه مسلم (٩٦٩).
(٤) أخرجه البخاري (٩٩٦) ومسلم (٧٤٥).
(٥) في "ب" أن يكون هذا التهجد.
(٦) سورة الإسراء، الآية ٧٩.
(٧) سورة الإسراء، الآية ٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>