والرد جميعاً، وحيث يبعثه القاضي المكتوب إِليه إِلى بلد الكاتب ولم يثبت أنه للمُدَّعِي، فعليه ردُّه إِلى موضعه بمؤناته، وتستقر عليه مؤنة الإِحضار إن تحملها من عنده، وإِن ثبت أنه له، فقياسُ ما حكَيْنا عن "التهذيب": أنه يرجع بمُؤنة الإحضار على المُدَّعَى عليه، وفي "أمالي" أبي الفرج السرخسي أنَّ القاضي ينفق على النَّقْل من بيت المال، فإِن لَمْ يكنْ في بيت المَالِ شيءٌ، استقرض، فإن ثبت كون المال للمدَّعَى عليه، رد الفرض لظهور تعدِّيه، وإلا، كلف المدعي ردّه، لظهور تعديه، وذكر أصحابُنَا العراقيُّون وصاحب "التهذيب" وغيرهم أنه، إِذا نقل المدَّعِي المالَ إلى بلد القاضي الكاتب، ولم يثبت كونه له يجب على المدعِي مع مؤْنَةِ الردِّ أجرةُ المثل لمدة الحيلولة، ولم يتعرَّضوا لذلك في مدة تعطل المنفعة، إذا أحضر المدعَى عليه، وهو في البلد، فأفهم سكوتُهُم عنْه أنَّهم سامحوا به في هذه الحالة، ولم يوجبوا الأجرة، وعلى هذا المفهومِ جَرَى في الكتاب، فقال:"ولا يلزم منفعة العبد التي تعطلت" وليحمل ما ذكره على إِحضار المدعَى عليه العبد الغائب عن مجلس الحكم دون البلد خاصَّةً؛ لأنه، لو أجرى على إِطلاقه، لكان ما ذكره مخالفاً لكلام الأصحاب في الغائب عن البلد، وسببُ احتمالِ تعطُّلِ المنفعةِ توقيرُ مجلس القاضي واقتضاءُ مصلحة الإيالة تركَ المضايقة في حُضُوره، وسَبَبُ الفَرْقِ بين الحالتين زيادةُ الضَّرَرِ هناك.
قَالَ الرَّافِعيُّ: الفصل يشير إلى ثلاثِ قَوَاعِدَ:
إحداها: الأصل ألاَّ يسمع القاضي البينة، ولا يحكم إِلا بحضرة الخصم، أمَّا أَلاَّ يسمع البينة؛ فَلَيَأْمَنَ من خطأ الشُّهود في المشهود عليه، وليَطْعَنَ فيه الخَصْمُ، إن وجد مطْعَناً، وليمتنعوا، إن كانوا كذبة؛ حياءً منه أو خوفاً، وأما ألا يحكم، فَلِيأْتِيَ بمدْفَعٍ، إِن وجده، إِلاَّ أَن هذا الأَصلَ قد يُتْرك لأَسبابٍ تقتضيه، وتفصيلها أنْ يقالَ: إِذا لم يكن الخصم حاضرًا في مجلس الحُكْم، فإما أن يكون في البلد أو لا يكون، إن كان في البلد، نُظِرَ؛ إِن كان ظاهراً يَتَأتَّى إِحضاره، فأصح الوجهَيْن، وقطَع به بعضُهم أنه لا يجوز سماع الدعْوَى والبينة عَلَيْه؛ لأن أمر القضاء مبنيٌّ على الفصل بأقرب الطرق ولو أحضر، ربما أَقر، فأغْنَى عن سماع البينة والنَّظَرِ فيها.