للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: الجواز؛ لأنه، إِما منكر، فهذا سماع بينة عَلَى المنكر، أو مقرٌّ، فيؤكد البينة إِقراره، وعلى هذا، فهل يحكم عليه؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم، كالغائب، لَمَّا سمع عليه البينة، حَكَم.

وأصحهما: المنع، بل يجب إِحضاره، ليأتِيَ بمطْعَنِ، إِن أمكنه، بخلاف الغائب عن البلد، فإن انتظاره يطُولُ، وأجرى الخلاف في الحاضر في مجلس الحُكْم، هل يسمع البينة عليه، ويحكم من غير سؤاله ومراجعته، والمنع هاهنا أظهر وأولَى، ولو كان يتعذَّر إِحضاره بان كان متوارياً أو متعذراً متغلباً فيجوز سماع الدعوى والبينة، والحكم عليه، وإلاَّ، اتخذ الناس التوارِيَ والامتناع ذريعةً إِلى إِبطال الحُقُوق، وعن القاضي الحُسَيْن، وجْهٌ آخر: أنه لا يجوز ولا يلحق الامتناع بالعَجْز، كما لا يلحق منع الثمن بالعَجْز في ثبوت حَقِّ الفسخ للبائع، د اِن لم يكن في البلد، نُظِر؛ إِن غاب إلَى مسافةٍ بعيدةٍ، جاز الحكم عليه، كما سبق، وإِن كانت قريبةً، فهو كالحاضر في البلد، وبم يضبط القرب والمُعْدُ؟ فيه وجهان:

أحدهما: أنَّ المسافة البعيدة هي الَّتِي تقْصَر فيها الصلاةُ، والقريبةُ ما دونها.

وأرجحهما: على ما ذكره صاحب الكتاب: أن المسافة التي يتمكَّن المنكر إِليها من الرُّجُوع إِلى مسكنه ليلاً قريبةٌ، وتُسمَّى، هذه مسافةَ العَدْوَى، فإِن زادتْ، فهي بعيدةٌ، وللقاضي أن يحكم على مَنْ غاب إذا عاد إليها؛ لأن في إِحضاره مفارقة الأَهْلِ بالليل.

وقوله في الكتاب "المحكوم عليه وشرطه أن يكون غائباً فوق مسافة العَدْوَى" المراد: المحكوم عليه الغائبُ؛ إِذ الغيبة ليستْ شرطاً في المحكوم علَيْه مطلقاً، بل الحكم على الحاضِرٍ أجودُ منْه على الغائب، لكن البابَ مِنْ أصله معقودٌ في القضاء على الغائِبِ، فأراد أن يبيّن أن الغَيْبَة المجوزة للقضاء أيةُ غيبةٍ هي.

ويجوز أن يُعْلَم قوله: "فإن كان في البلد فالصحيح" يجوز إِعلام لفظ "الصحيح" بالواو؛ لطريقة مَنْ قَطَع بالمنع، وقد حكاها القاضي ابن كج وغيره.

وقوله في المتواري والمتعذر، "الصحيح أنه يقضي عليه كالغائب" يمكن أن يستفاد من التشبيه والإِلحاق بالغائب؛ أنه يحلف المدَّعِي، كما يحلف المدعي على الغائب، وقد صرَّح به بعضُهم، وفي "العدة": أنه لا يحلف هاهنا لأن الخصم قادِرٌ على الحضور، ولو كان للمتمرِّد وكيلٌ نصبه بنفسه، فهل يتوقَّف التحليف على طلبه؟ فيه جوابان لأبي العباس الرويانيِّ؛ لأن الاحتياط، والحالة هذه، من وظيفة الوكيل، وكذا لو كان الغائبُ وكيلاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>