للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثانية: من أتَى القاضي مُسْتَعْدِياً عَلَى خصمه؛ ليحضره، فخصمه، إِما أن يكون في البلد أو خارجه:

الحالة الأولَى: إذا كان في البلد، وكان ظاهراً يمكنُ إِحضاره، وجب إِحضاره (١)، وقال مالك: إِن كان من أهل المروءات، لم يُحْضِرْه، إِلا أن يعرف بينهم معاملةً؛ صيانةً له عن الابتذال، وعن ابن سُرَيْجٍ: أنَّه يحضر ذوي المروءات في داره لا في مجلس الحكم، والمذهب: أنه لا فرق، ثم الإحضار قد يكون بختم من طِينٍ رطبٍ أو غيره يدفعه إِلى المُدَّعِي؛ ليعرضه على الخصمَ وليكن مكتوباً علَيْه؛ أجِبِ القاضِيَ فَلاناً، وقد يكون بمحْضَرِ من الأعوان المرتَّبين على باب القاضي، ويكون مؤنته على الطالب، إِن لم يرزقوا من بيت المال، وإِن بعث بالخَتْم، فلم يجب بعث العون إِليه، وإذا ثبت عند القاضي امتناعه من غير عذر أو سوء أدب بكسر الختم ونحوه، واستعان على إِحضاره بأعوان السلطان، فإِذا حضر عَزَّره على ما يراه، ويكون مؤنة المُحْضِر، والحالةُ هذه، على المطلوب لامتناعه، وفي "الجرجانيات" وجه آخر: أنها على المدَّعِي أيضاً، فإِن استخْفَى، بعث من ينادى على باب دَارِه، أنَّه، إِن لم يحضُرْ إِلى ثلاثٍ، سمَّر باب داره أو ختم عليه، فإِن لم يحضر بعد الَثلاث، وسال المُدَّعِي التسميرَ أو الختم، أجابه إِليه، وينبغي أن يتقرَّر عنده؛ أن الدار دارُهُ، دماِذا عرف له موضع، قال ابن القاصِّ: يبعث القاضي نفَراً من النسوة والصبيان يهجمون عليه على هذا الترتيب، ويفتشونه، ومتى كان للمطلوب عُذْرٌ مانعٌ من الحُضُور، لم يكلِّفْه الحضور، بل يبعث إِليه من يحكم بينه وبين خصمه، أو يأمره بنَصْب وكيلِ التخاصم عنه، فإن دعت الحاجةُ إلَى تكليفه، بعث إِلَيْه من يحلفه، والعُذْر كالمرض وحَبْسِ الظالم والخَوْفِ منه، وفي كون المرأة المخدرة خلافٌ سيأتي.

الحالة الثانية: إذا كان خارجَ البلدِ فينظر، إن كان خارجاً عن محلِّ ولاية القاضي، لم يكن له أن يحضره، وإِن كان في محلِّ ولايته، فإن كان له في ذلك الموضع نائبٌ، لم يحضره، بل يسمع البينة، ويكتب إِليه، وحَكَى أَبو العباس الرويانيُّ وجهاً: أنه يلزم إِحضاره، إِذا طلب الخصم، وهذا قضية إِيراد صاحب "التهذيب" فيما أذا كان المطلوبُ عَلَى مسافة العدْوَى، وبه أجاب في "العدة" وفي أمالي أبي الفرج السرخسيِّ؛ يخير القاضي بيْنَ أن يحضر المطلوب، وبين أن يسمع البينة، ويكتب إلى نائبه، وإِن لم يكن هناك نائبٌ، فثلاثة أوجه:


(١) قيده البلقيني بأن لا يعلم القاضي كذبه فإن علمه لم يحضره وقد ذكره الماوردي وغيره وأن يلزمه الحكم بينهما فلو استعدى معاهد على معاهد لم يلزم الحاكم إحضاره كما لا يلزمه الحكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>