للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله في الكتاب "لكن إِذا أشرف على الهلاك" أشار به إلى أنه إِنما يتصرف في مال اليتيمِ الغائبِ بالحفْظ والصيانة عن الهلاك، وهل يتصرَّف للتجارة وطلب الفائدة كما يتصرَّف في أموال اليتامى الحاضرين؟ فيه وجهان، كما في نصب القيم لهذا الغَرَضِ، ويجوز نصبه للحفْظِ والصيانة بلا خلاف (١)، ويجوز للقاضي إقراضُ مالِ الغائبِ؛ ليقطع عنه غَرَرَ الغبية، ويخصه بذمَّة ملي، يحكى ذلك عن صاحب "التلخيص" وهو مَوافقٌ لما مر في "باب الحجر" أنَّ له أنْ يُقْرِضُ مال الصبي لكن ذكرنا هناك أَنَّ غير القاضي أباً كان أو غيره؛ لا يقرض مال الصبيِّ (٢) إِلاَّ لضرورة نهب وغيره، وعن صاحب "التلخيص": أنه جوز للأبِ ما جوَّزه للقاضي، فهذا وجهٌ آخر، وأما ما لا يتعيَّن له مالك، وحصل اليأس عن معرفته، ذكر بعضهم أن له أن يبيعه، ويصرف ثمنه إِلَى المصالح، وأَنَّ له أنْ يحفظه (٣)، واعْلَمْ أنَّ الفرْعَ الثالث والرابع لا اختصاصَ لهُمَا بالبَابِ، كما ذكرنا في الفَرْع الثاني، وهذا آخرِ شرْحِ الباب، ويدخل فيه مسائلُ أُخَرُ نورد مَنْها ما الحاجةُ إِلَيْهِ أهمُّ، والله المُوَفِّق.

"كتاب قاضي أهل البَغْي" مقبولٌ ككتاب قاضي أهْل العدل، وعن القديم قولٌ أنَّه لا يقبل (٤) كتاب أهل البغْي، وأطلق بعضهم؟ أنَّه لا يجوز للقاضي أنْ يكتب كتاباً في غير محلِّ ولايته، ويستمر على أصْل الشَّافعيِّ -رضي الله عنه- ما ذكره ابْنُ القاصِّ، وهو أنَّه لا يحكم، ولا يشهد في غيَر محَلِّ ولايته، فأما الكتاب، فلا بأس به، وإِذا حكم القاضي بينة رجل أقامها وكيلُ رجلٍ في وجهِ وكيلٍ آخر، ثم حضر المدعَى عليه، وقال: كنْت: عزلتُ وكيلِي قَبْل أن أقَمْتَ البينة في وجهه، لم ينفعه؛ لأن القضاء علَى الغائِبِ جائزٌ، ولو حضر المدعِي، وقال: كنتُ عزلْتُ وكيلي، وقلْنا: إِن الوكيل ينعزل قبل بَلوغ الخَبَر لم يصحَّ الحكم؛ لأن القضاء للغائب غير جائز، وشهود الكتاب الحكمي إِذا أرادوا التخلف في الطريق، نُظِر؛ إن كانوا يتخلفون في موضع فيه قاضٍ وشهود، فحامل الكتاب إِما أن يُشْهِد عَلَى كلِّ واحدٍ منْهم شاهدَيْن يحضران معَه، ويشهدان عند القاضي الذي يقْصِده، وإِما أن يعرض الكتاب عَلَى قاضي البلد الذي يتخلفون فيه؛ ليشهدوا به عنْده، فيضمنه، ويكتب به إِلى القاضي الذي يَقْصِده، وإِن


(١) قال في الخادم: مقتضاه رجحان مقالة الغزالي في ملاحظة مكان اليتيم فإنه لم يكره وقد رجحه ابن الرفعة في المطلب أيضاً وهو ظاهر لأنه وليه في النكاح فكذا في المال وحرم به البغوي في التهذيب ثم ساق لفظ التهذيب ثم نقل الخوارزمي كذلك.
(٢) سقط من: ز.
(٣) قال النووي: هذا المحكي عن بعضهم متعين، وقد قاله جماعة، ولا نعرف خلافه.
(٤) قال في الخادم: محل القولين كما قاله في البحر إذا كان ممن يقبل شهادته فإن كان من الخطأ فيه لم يقبل بلا خلاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>