للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَزَمَتْهُ الإِجَابَةُ عَلَى الأَطْهَر المَنْفَعَةُ بَعْدَ القِسْمَةِ إِنْ أُحْدِثَ مُسْتَوْقَدٌ وَبِئْرٌ فَفِي الإِجْبَارِ وَجْهَانِ:

قَالَ الرَّافِعِيُّ: مسائل الباب مختلطة غير مهذبة الترتيب، فإن احتجنا كذلك إلى تقديم وتأخير، فلا تُنْكِرْهُ، واعلم أن العَيْنَ المشتَركةٍ، إِما أنْ يَعْظُمَ الضرَرُ في قسْمتها، أوْ لاَ يعظم.

الحالة الأولى: إذا عظم الضرر في القسمة، وطلب أحدُهُما القسْمةَ، وامتنع الآخرُ، فلا يجبر الممتنع وفي ضبط الضرر المانع في القسمة، ثلاثة أوجه أسلفناها في "باب الشفعة" فلا يكسر الجوهرُ النفيسُ، ولا يقطع الثَّوْبُ الرفيع، ولا يُقسَّم زَوْجَا الخُفِّ بِمَصْرَاعَا الباب، إن طلبه أحدُهُمَا، كان تراضَى الشركاء بالقسمة في مثل ذلك، والتمسوها من القاضي، فإن كانت المنفعةُ تَبْطُل بالكلية، لم يجبْهم، ويمنعَهُم من أن يقتسموا بأنفسهم أيضاً؛ لأنه سفه، كان كان لا تبطل المنفعة بالكلية؛ كالسيف يكسر، فلا يُجِيبُهُمْ أيضاً في أصح الوجهين، ولكن لا يمنعهم من أن يقتسموا بأنفسهم، وما تُبْطُلُ القسمةُ منفعَتَهُ المقصودة منه؛ كالطاحونة والحمام الصغيرَيْن (١)، إذا امتنع أحد الشريكَيْن من قسمته، لا يجبر عليها في أظهر الوجوه المشار إلَيْها، وهو المذكور في الكتاب، وقال مالك: يُجْبَر، فإن كانا كبيرَيْنِ، وأمكن أن يَجْعَل الطاحونة طاحونتين، والحمَّام حمامَيْنِ، فيجبر الممتنع، فإن كان يحتاج إلَى إحداث مستوقد أو بئْرٍ، فوجهان:

أحدهما: أنه لا يجبر الممتنع؛ لتعطل المنفعة إلَى إحداث ما يحتاج إلَيْهِ.

وأشبههما: الإِجبارُ؛ ليتيسر التدارك (٢) بأمر مرتَّب.

وإن تضرَّر أحد الشريكَيْن بالقسمة دون الآخر كدار بَيْنَ اثنين لأحَدِهِمَا عُشْرُها، وللآخر باقيها، ولو قسمت، لم يصلح العشر للمسكن، فإن طلب صاحبُ العُشْر القسمة، فوجهان:

أَحَدُهُما: وبه قال أبو حنيفة: أنه يجبر الآخر ليتميَّز ملكه.

وأصحُّهُمَا: المنْعُ؛ لأنَّهُ مضيِّع لماله متعنِّت، كان طلب الآخر القسمة، فوجهان، نسبهما العباديُّ إلى ابْنِ سُرَيْجٍ.


(١) وفي لفظ صغيرين تغليب للمذكر على المؤنث، فإن لفظ الطاحونة وهي الرحى كما في الصحاح مؤنثة والحمام مذكر.
(٢) قال الأذرعي: وإنما يسر ذلك إذا كان ما يلي ذلك مملوكاً له أو مواتاً فلو كان ما يليه وقفاً أو شارعاً أو ملكاً لمن لا يسمح ببيع شيء منه فلا، وحيئنذٍ يجزم بنفي الإجبار.

<<  <  ج: ص:  >  >>