للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا مطلق، وبهذا قال أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ.

وأظهرهما: وبه قال جمهور الأصْحَابِ: أن الاستحباب يختص بالنصف الأخير من رمضان؛ "لِأَنَّ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ فِي صَلاَةِ التَّرَاوِيحِ، فَلَمْ يَقْنُتْ إِلاَّ فِي النِّصْفِ الثَّانِي، وَلَمْ يَبْدُ مِنْ أَحَدٍ إِنْكَارٌ عَلَيْهِ فَكَانَ ذلِكَ إِجْمَاعاً".

وعن عمر -رضي الله عنه- قال: "السُّنَّةُ إذَا انْتَصَفَ شَهْرُ رَمَضَانَ أَنْ يلْعَنَ الْكَفَرَةُ فِي الْوِتْرِ بَعدَمَا يَقُولُ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" (١). فعلى الوجه الأول، لو ترك القنوت سجد للسهو، كما في الصبح، وعلى الوجه الثاني المشهور لو تركه في النصف الأخير سجد لِلسَّهْوِ ولو قنت من غير النصف الأخير سهواً سجد للسهو (٢) وذكر القاضي الروياني: أن كلام الشافعي -رضي الله عنه- يدل على كراهية القنوت في غير النصف الأخير، فضلاً عن نفي الاستحباب، ثم حكي عن بعض الأصحاب وجهاً متوسطاً، وهو أنه يجوز أن يقنت في جميع السَّنَةِ من غير كَرَاهِيَةٍ، لكن لو ترك لا يسجد للسَّهْوِ، بخلاف ما لو تركه في النِّصْفِ الأخير يَسْجُد.

قال: وهذا اختيار مشايخ طبرستان، واستحسنه، وأثبت ما روي عن مالك موافقة ظاهر مذهبنا، وروي عنه أنه يقنت في جميع شهر رمضان، وروي في جميع السَّنَةِ، وقد أعلم قوله: (في النصف الأخير) بالحاء والميم والألف؛ إشارة إلى مذاهبهم ثم لنا في موضع القنوت من الركعة وجهان:

أصحهما: ويحكى عن نصه في حرمله أنه بعد الركوع؛ لما روينا من حديث عمر -رضي الله عنه- وكما في الصبح، فإن ما قبل الركوع محل القراءة، والقنوت دعاء، فهو في موضع الدعاء، حيث يقول: سمع الله لمن حمده: أليق.

الثاني -وبه قال ابْنَ سُرَيْجٍ-: أنه يقنت قبل الركوع؛ لما روي عن أبي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كَانَ يَقْنُتُ قَبْلَ الرِّكُوعِ" (٣).

وأيضاً فإن الفرق بين الفرض والنفل مقصوِد، كما أن خطبة الجمعة قبل الصلاة، وخطبة العيدين بعدها، وبهذا الوجه قال مَالِكَ وَأْبُو حَنِيفَة، وبالأول قالَ أَحْمَدُ، وحكي في "البيان" عن بعض متأخري الأصحاب: أنه يتخير بين التقديم والتأخير، وأنه إذا قدم


(١) غريب وذكره ابن المنذر بإسناده وقال في آخره صحيح، رواه البخاري ومسلم وهو غلط منه. انظر خلاصة البدر المنير (١/ ١٨٤) والتخليص (٢/ ٢٤).
(٢) سقط في "ط".
(٣) أخرجه النسائي (٢/ ٢٢٥) وابن ماجة (١١٨٢) والبيهقي (٢/ ٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>