للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكلام وإلا فلا يخطبُ، على الأصحِّ.

إذا تقرِّر ذلك، قال الأصحاب: يُعتبر في العدَالَةِ الاجتنابُ عن الكبائرِ، فمَنِ ارتكب كبيرةً، فَسَقَ ورُدَّتْ شهادته، وأما الصغَائِرُ، فقليلاً ما يَسْلَم الإِنْسانُ منْها، حتَّى اشتهر في الخَبَر "مَا مِنَّا إلاَّ مَنْ عَصَى أوْ هَمَّ بِمَعْصِيَةِ إِلاَّ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا" (١) فلا يشترط تجنبها بالكلية، لكنّ الشرْطَ ألا يُصِرَّ عليها، فإن أصرَّ، كان الإِصرارُ كارتكاب الكبيرة، وأما الإِصرارُ السالبُ للعدالةِ أهُوَ المداومةُ عَلَى نوْعٍ من الصَغائرِ أم الإكثارُ منْها، سواءٌ كانتْ من نوعٍ واحدٍ أو منْ أنواعٍ مختلفةٍ منهم من يُفْهِم كلامُه الأول ومنهم من يفهم كلامه الثانِيَ ويوافقه قول الجمهور من تَغْلِبُ طاعتهُ معاصِيَهُ، كان عدلاً، ومن تَغْلِبُ معاصيه طاعته، كان مردودَ الشهادة، ولفظ الشافعيِّ -رضي الله عنه- في "المختصر" قريبٌ منه، وإذا قلْنا به، لم تضرَّ المداومةُ على نوعٍ واحدٍ من الصغائر، إذا غلبتِ الطاعاتُ، وعلى الاحتمال الأول يَضُرُّ.

وقوله في الكتاب "لا تُقبل شهادتُه" أُعْلِمَ بالحاء؛ لأن في "النهاية" أن أبا حنيفةَ يَقْبَلُ شهادة الفاسِق الذي يَغْلِبُ على الظنِّ احترازُهُ عن الكذب.

وقولهُ: "وأما الإِلمام بكذْبَةٍ أو غيبةٍ" إلى آخره فيه مع بيانِ الحُكْم وهو أن ارتكابَ الصغيرة لا يُبْطلُ العدالةَ، أشار إلَئ سببه، وهو أن الإِنسان غالباً لا يَخْلُو عن الابتلاء بالصغائر، ويُقْدِمُ عليها أحيانًا لفتْرة تقع، وشهوةٍ تَغْلِب، فلا يدلُّ ذلك على قلَّة الديانةِ والمبالاة، لا سيَّما إذا كان المُقْدِم عليها نادماً خائفاً، بخلاف الكبيرةِ، فإنَّها عظيمةُ الوقْع، ارتكابها مشعر بقلَّة المبالاة، فأسْقَطَ الثقةَ بقَوْل مرتكبها والله أعلم.

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَاللَّعِبُ بالشِّطْرَنْجِ (ح م و) والحَمَامِ (ح م) وَسَمَاعُ الغِنَاءِ وَالرَّقْصِ وَنَظْمُ الشِّعْرِ الَّذِي لاَ هَجْوَ فِيهِ وَلاَ فُحْشَ وَلاَ تَشبِيبَ بامْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَسَمَاعُ الدُّفِّ وَإِنْ كَانَ فِيهِ جَلاَجِلُ وَكَذَا سَمَاعُ الطَّبْلِ إِلاَّ طَبْلَ المُخَنِّثِينَ كُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ بِحَرَامِ، لَكِنَّ المُوَاظَبَةَ عَلَيْهَا قَدْ تَخْرمُ المُرُوءَةَ فِي حَقِّ بَعْضِ النَّاسِ فَيَقْدَحُ، وَأَمَّا النَّرْدُ وَسَمَاعُ الأَوْتَارِ وَالمَعَازِفُ وَالمِزْمَارِ العِرَاقِيِّ وَمَا هُوَ شِعَارُ الشُّرْبِ وَنَظْمُ الهَجْوِ وَإِنْشَادُهُ وَلُبْسُ الحَرِيرِ وَالجُلُوسُ عَلَيْهِ


(١) رواه أحمد وأبو يعلى والحاكم من حديث ابن عباس وهذا لفظه، ولفظهما: ما من أحد من ولد آدم إلا قد أخطأ أو هم بخطيئة ليس يحيى بن زكريا، وهو من رواية علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران وهما ضعيفان، وله طريق أخرى عند البزار من رواية محمد بن عون الخراساني، وهو ضعيف، وفي الباب عن أبي هريرة في الطبراني في الأوسط، وكامل ابن عدي في ترجمة حجاج بن سليمان، وأخرجه البيهقي بإسناد صحيح إلى الحسن عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلاً، وأخرجه عبد الرزاق من طريق سعيد بن المسيب مرسلاً أيضاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>