للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجِيزِيِّ: أنها مكروهةٌ، ولَيْس في هذا اختلافُ قولٍ عند عامة الأصحاب، ولكن موضع الكراهيَّة أن يُفْرِطَ في المد، وفي إشباع الحركات حتَّى يتولَّد من الفتحة ألفٌ ومن الضمة واوٌ، ومن الكسرة ياءٌ، أو يدغم في غير موضع الإِدغامِ، فإن لم ينته إلَى هذا الحدِّ، فلا كراهة، وفي "أمالي" أبي الفرج وجهٌ أنه لا كراهة، وإن أفرط (١)؛ احتجاجاً بمطلَقِ قوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم- "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ".

والثاني: أن يغني ببعض آلات الغناء ممَّا هوُ من شعارِ شارِبِي الخَمْر، وهو مطربٌ كالطُّنبور، والعود، والصُّنج، وسائر المعازف، والأوتارِ فيَحْرُم استعماله، والاستماع إلَيْه، قال ابنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه- في تفسير قوله تعالَى: {وَمِنَ النَّاسِ من يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: ٦]: إنه الملاهِي، وفي اليْرَاعِ وجهان:

أحدُهِمَا: أنَّه حرامٌ، كالمزمار.

والثاني: المنْعُ؛ لأنه ينشِّطُ على السَّيْرِ في الأسفار ويُرْوَى أن داوُدَ -عليه السلام- كان يضربه في أغنامه، وعن الصحابة الترخيصُ فيه، والأصحُّ الأولُ عند صاحبِ "التهذيب" وعند صاحب الكتاب، وهو الأقرب، وليس المرادُ من اليراع كلَّ قصب، بل المزمارُ العراقيُّ، وما يُضْرب به الأوتار حرامٌ بلا خلاف (٢)، وأما الدُّفُّ فَضْربه مباحٌ في الإملاك والختان، رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَعْلِنُوا النِّكَاحَ وَأضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالْغِرْبَالِ" (٣) يريد الدُّفَّ، وعن عُمَرَ -رضي الله عنه- أنَّه كانَ إِذَا سَمِعَ الدُّفَّ بعَثَ، فإنْ كان في النِّكاحِ


(١) قال النووي: الصحيح أنه إذا أفرط على الوجه المذكور، فهو حرام، صرح به صاحب "الحاوي" فقال: هو حرام يفسق به القارئ، ويأثم المستمع؛ لأنه عدل به عن لهجة التقويم، وهذا مراد الشافعي بالكراهة. ويسن ترتيل القراءة وتدبرها، والبكاء عندها، وطلب القراءة من حسن الصوت، والجلوس في حلق القراءة ولا بأس بترديد الآية للتدبر، ولا باجتماع الجماعة في القراءة، ولا بإدارتها وهو أن يقرأ بعض الجماعة قطعة، ثم البعض قطعة بعدها، وقد أوضحت هذا كله وما يتعلق به من النفائس في "آداب حملة القرآن".
(٢) قال النووي: الأصح أو الصحيح تحريم اليراع، وهو هذه الزمارة التي يقال لها الشبابة وقد صنف الإِمام أبو القاسم الدولعي كتاباً في تحريم اليراع مشتملاً على نفائس، وأطنب في دلائل تحريمه.
(٣) رواه الترمذي وابن ماجة والبيهقي عن عائشة، وفي إسناده خالد بن الياس، وهو منكر الحديث قاله أحمد، وفي رواية الترمذي، عيسى بن ميمون وهو يضعف، قاله الترمذي وضعفه ابن الجوزي من الوجهين، نعم روى أحمد وابن حبان والحاكم من حديث عبد الله بن الزبير: أعلنوا النكاح، وروى أحمد والنسائي والترمذي، وابن ماجة والحاكم من حديث محمد بن حاطب: فصل ما بين الحلال والحرام، والضرب بالدف.
(تنبيه): ادعى الكمال جعفر الأدفوي في كتاب الإِمتاع بأحكام السماع، أن مسلماً أخرج حديث الباب في صحيحه، ووهم في ذلك وهماً قبيحاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>