حضر غيره، وعن مالك أن المشهود عليه إن كان جلداً لا ينخدع فتقبل هذه الشهادة، وإن كان ممن يخدع فلا تقبل، وحكى الفوراني عن مذهب مالك أن شهادة المختبئ لا تقبل أصلاً، وأن للشافعي -رضي الله عنه- قولاً مثله في القديم، وأن على المذهب الصحيح يستحب أن يخبر الخصم أني شهدت عليك حتى لا يبادر إلى تكذيبه إذا شهد فيعذره القاضي، ولو قال رجلان لثالث توسط بيننا لنتحاسب ونتصادق على ألا تشهد علينا بما يجري، فهذا الشرط لاغٍ وله بل عليه أن يشهد بما علم (١).
قَالَ الرَّافِعِيُّ: غرض الفصل بيان ما تقبل فيه شهادة الحسبة وهو ما يتمحض حقاً لله تعالى أو له فيه حق مؤكد لا يتأثر برضى الآدميين فمنه الطلاق وهل تقبل شهادة الحسبة في الخلع؟ أطلق في التهذيب المنع، وقال الإِمام تقبل في الفراق ولا تثبت في المال، قال: ولا أُيعيرُ ثبوته تبعاً، ولا أن يثبت الفراق دون البينونة، ومنه العتاق ويستوي فيه العبد والأمة. وقال أبو حنيفة: تقبل في عتق الأمة دون العبد.
تقبل في الاستيلاد قال في التهذيب ولا تقبل في التدبير وفي تعليق العتق به كان شيخي القاضي يقول: تقبل كالاستيلاد؛ كان الفرق عند من فرق أن الاستيلاد يفضي إلى العتق لا محالة وهما بخلافه، قال: وكذا لا تقبل شهادة الحسبة في الكتابة وإن أدى النجم الأخير شهدوا على العتق وفي شراء القريب وجهان: في وجهه تقبل شهادة الحسبة بحق العتق والأشبه وهو جواب القاضي الحسين المنع لأنهم يشهدون على الملك والعتق شيء مرتب عليه وليس كالخلع إذا قلنا يثبت بشهادتهم الفراق دون المال لأن المال في الخلع تابع وفي الشراء مقصود، فإثباته دون المال محال ومنه العفو عن القصاص فالصحيح وهو المذكور في الكتاب أن شهادة الحسبة مقبولة فيه وحكى القاضي أبو سعد الهروي فيه وجه آخر لأن ترك القاضي الدعوى مع الحرص على الحياة يورث التهمة في شهادتهم، ومنه تحريم الرضاع، ومنه الوقف فإن كان على جهة عامة فتقبل فيه شهادة الحسبة وكذا الوصية للفقراء، وفي الوقف على الجهات الخاصة وجهان عن الصيدلاني أن الجواب كذلك وهذا ما أورده الروياني في "جمع الجوامع" وحكى
(١) فشرط قبولها أن يكون الشاهد نظراً للمقر يسمع كلامه ويراد كما ذكره الصيمري في شرح الكفاية وشريح الروياني في روضته وهو مقتضى كلام الرافعي في الباب الثالث في مستند علم الشاهد، وعن البندنيجي حكاية عن الأصحاب ما يخالفه.