للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بشهادة غيره، ويخرج عليه عقوده، وهذا أظهر عند الأكثرين منهم ابنُ القاص والشيخُ أبو حامد وبه قال أبو حنيفةَ وأحمدُ -رحمهم الله- وإيانا وعلى هذا فيعتبر في الشاهد وراء الصفات المذكورة في أول الباب أن يكون ناطقاً، وذكر أبو القاسم الصيمري في مختصر جمعه في أحكام الشهادات أنه لا يجوز شهادة المحجور عليه بالسفه فإن كان كذلك زادت صفة أخرى (١) والله أعلم.

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَيَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ تُبْت وَلاَ أَعُودُ إِلاَّ إِذَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بالكَذِبِ فَهُوَ فَاسِقٌ يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهُ كَكُلِّ فَاسِقٍ يَقُولُ: تُبْتُ فَإِنَّهُ لاَ يُصَدَّقُ حَتَّى يُسْتَبْرَأَ مُدَّةٍ فَيَعْلَم بِقَرَائِنِ الأَحْوَالِ صَلاَحَ سَرِيرَتِهِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: أخذ في الكلام في توبة القَاذِف، ثم اختلط به الكلامُ في التوبةِ علَى سائر أنواع الفِسْقِ، ووجهُ الحاجة إلَيْه بيِّنٌ، فإنَّ من لا تُقْبَلُ شهادَتُهُ لِفِسْق، إذا تَابَ، وظَهَر اعتراضه عَمَّا كان فيه، فيجبُ معرفةُ أنَّ التوبة ما هيَ وبم تَحْصُل؟.

قال علماء الأصحاب -رحمهم الله-: التوبةُ تنقسم إلَى ما هي بَيْن العبْد وبيْن الله تعالَى جدُّه وهي التي يندفعُ بها الإِثْم، وإلى توبةٍ في الظاهِرِ، وهي التي تتعلَّق بها عوْدُ الشهادات، والولايات:

أما التَّوبةُ الأولَى: فهي أن ينْدَمَ علَى ما مضى ويترك وعله في الحال ويعزِمَ علَى ألا يعود إليه (٢)، إن كانت المعصية لا يتعلق بها حقَّ الله تعالَى ولا للعبادِ، كوطء الأجنبية فيما دون الفَرْج وتَقْبلُها، فلا شيء عليه سوى ذلك، وإن تعلَّق بها حقٌّ ماليٌّ، كمنع الزكاة، وكالغَصْب، والجنانات في أموال الناس، فيجب مع ذلك تبرئةُ الذمَّة عنْه؛ بأن يؤدِّي الزكاة، ويردَّ أموال النَّاس، إن بقيت ويغرم بدَلَها، إن لم تبق، أو يستحلَّ، فيبرئه المستحقُّ ويجب أن يخبر المستحق، وإن لم يعلم به وأن يوصله، إليه، إذا كان


(١) ما ذكره الصيمري هو المنقول عن ابن كج في التجريد والدارمي في الاستذكار كلاهما في باب الحجر، وجزم به المصنف في باب الوصايا.
قال في الخادم: أهمل الرافعي من الشروط السمع والبصر أي فيما لا يقبل فيه شهادة الأعمى.
(٢) قال في المهمات: أهمل شرطاً رابعاً وهو أن يكون ذلك لله تعالى حتى لو عوقب على جريمة فندم وعزم على عدم العود لما حل به وخوفاً من وقوع مثله لم يكف، قاله أصحابنا الأصوليون ومثلوه بما إذا قتل ولده وندم لكونه ولده أو بذل صحيح مالاً في معصية وندم للغرم ولا بدّ منه.
وقال البلقيني: هذا الإِيراد عندنا غير معتبر لان التوبة عبادة، والعبادة لا بدّ أن تكون لله، وإذا لم يكن ذلك فلا توبة ولا عبادة.
قال الرملي: هذا التوجب فيه اعتراف باعتبار الإِيراد.

<<  <  ج: ص:  >  >>