للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غائباً، إن كان قد غَصَبه منْه هنالك، ونقله، فإن. مات سلَّمة إلَى وارثه، فإن لم يكن وارثٌ أو غَابَ، وانقطع خبره، دفَعَه إلَى قاضٍ تعرف سيرته وديانته، فإِن تعذَّر، تصدَّق به على الفقراء بنيَّة الغرامة له، ذكره العباديُّ في "الرقْم" وصاحب الكتاب في غير الكُتُب الفقهيَّة، وإن كان مُعْسِراً، نوى الغرامة، إذا قدر، فإن مات قبل أن يقْدِر، فالمرجُوُّ من فضل الله تعالَى جدُّه المغفرةُ (١).

وإن تعلَّق بالمعصية حقٌّ ليس بماليٍّ، فإن كان حدّاً لله تعالَى كما لو زنا أو شَرب فإن لم يظهر، فيجوزُ أن يظهره ويقرّ به ليُقَامَ علَيْه الحدُّ، ويجوز أن يستُرَ علَى نفْسه، وهو الأولَى، وإنْ ظهر، فقد فات السِّتْر، فيأتي الإِمامَ ليقيمَ علَيْه الحدَّ، قال في "الشامل": إلا إذا تقادم العهد، وقلْنا: إنه يسْقُطُ الحد، وإن كان حقاً للعباد؛ كالقِصَاصِ وحدِّ القذف، فيأتي المستحِقَّ، ويمكِّنه من الاستيفاء، فإِن لم يعلَم المستحِقُّ، فيجب في القِصَاص أن يُخْبِره، ويقول: أنا الذي قتلْتُ أباك، ولزمني القصَاصُ، فإِن شئتَ، فاقتص، وإن شئت فاعف، وفي حدِّ القذْفِ، هل يخبره، ذكر في الكتاب في أَول الباب تردُّداً في أنه، إذا أتى، ببَعْضِ كنايات القذف، وأراد القذف، ولم يحلفه المقذوفُ على البينة، فيخبر المقذوف أو يخْفِيه، ولا يؤديه، وجواب العباديُّ وغيره هاهنا أنه يخْبِرهُ عن القَذْف، كما في حقِّ القصاص وفي مثله في الغَيْبة رأيت في فتاوى الحنَّاطِيِّ؛ أنها إذا لم تبُلغِ المغتابَ، كفى الندمُ والاستغفارُ، وإذا بلغته أو طَرَد طارِدٌ قياسَ القصاص والقذف فيها، فالطريق أن يأْتِيَ المعتابَ ويستحلَّ منه، فإن تعذَّر بموته، أو عسر لغيبته الشاسِعَة، فيستغفر الله تعالَى جدُّه، ولا اعتبار بتحليل الوَرَثَةِ، كذلك ذكره الحناطيُّ وغيره، قال العباديُّ: والحسد كالغِيبَةِ، وهو أن يهوَى زوالَ نِعْمَةِ الغير، ويُسَرَّ ببليته، فيأتي المحسودَ، ويخبره بما أضمره، ويستحلُّه، ويسأل الله تعالَى أن يزيل عنْه هذه الخلَّة، وفي إِلزام الإِخبار عن مجرَّد الإِضمار بُعْدٌ (٢).

فَرْعٌ: سُئِلَ أبو عبد الله الحَنَّاطِيُّ عمن قصَّر فيما عليه من الدَّيْن والمَظْلَمة، ومات


(١) قال النووي: ظواهر السنن الصحيحة تقتضي ثبوت المطالبة بالظلامة وإن مات معسراً عاجزاً إذا كان عاصياً بالتزامها، فأما إذا استدان في مواضع يباح له الاستدانة، واستمر عجزه عن الوفاء حتى مات، أو أتلف شيئاً خطأ، وعجز عن غرامته حتى مات، فالظاهر أن هذا لا مطالبة في حقه في الآخرة، إذ لا معصية منه، والمرجو أن الله تعالى يحوض صاحب الحق، وقد أشار إلى هذا إمام الحرمين في أول كتاب النكاح: وتباح الاستدانة لحاجة في غير معصية ولا سرف إذا كان يرجو الوفاء به جهة، أو سبب ظاهر.
(٢) قال النووي: المختار بل الصواب أنه لا يجب إخبار المحسود، بل لا يستحب، ولو قيل: يكره لم يبعد. وهل يكفي الاستحلال من الغيبة المجهولة، أم يشترط معرفتها للعافي؟ فيه وجهان سبقا في كتاب الصُّلْح.

<<  <  ج: ص:  >  >>