المستحِقُّ، واستحَقَّه وارثٌ بعد وارثٍ يتعلَّق به في الآخرة صاحبُ الحقِّ أولاً أو الأخير من ورثته وورثة ورثته، فقال: يرثه الله تعالَى، بعْد موت الكلِّ، ويُرَدُّ إليه في القيامة، وحَكَى وجهاً آخر عن الأصحاب لآخر مَنْ مَات من الوارِثِينَ، وفي "الرقم": أنه يُكْتَبُ الأجْرُ لكل وارِثٍ مدةَ عَمْرِهِ، ثم يكون الثوابُ لمَنْ بعده، ولو دفَع إلَى بعض الوارِثين عندْ انتهاء الاستحقاقِ إليه، خَرَج عن المظلمة إلا بما سَوَّفَ ومَاطَلَ.
وأما التوبةُ الظاهرةُ، فالمعاصي تنْقسم إلَى فعليَّة وقوليَّة، أما الفعليَّة؛ كالزنا والسرقة والشرب، فإظهار التوْبة عنْها لا يكفي في قَبُول الشهادة وعود الولاية؛ لأنه لا يؤمَنُ أن يكون له في الإِظهار غائلةٌ وغرضٌ فاسدٌ، فيختبر لمدَّة يغلب على الظنِّ فيها أنه قد أصلح عملَهُ وسريرته، وأنه صادقٌ في توبته، وهل تتقدَّر تلْك المدة قال قائلون: لا، إنَّما المعتبرُ حصولُ غلبة الظَّنِّ بصدْقِهِ، ويختلف الأمر فيه بالأشخاص وأمارات الصدق، هذا ما اختاره الإِمام، والعبَّاديُّ وإلَيْه أشار صاحبُ الكتاب بقوله: حتى يُسْتبْرَأَ مُدَّةً فيعلم إلى آخره، وذهب آخرون إلَى تقديرها، وفيه وجهان، قال أكثرهم: يستبرأ سنةً، فإنَّ لمعنى الفصولِ الأربعةِ تأثيراً بَيِّناً في تهيْيج النُّفوس وانبعاثها لمشتهياتها، فإذا مضت على السلامة أشْعَرَ ذلك بحُسْن السريرة، وقال جماعةٌ: يكفي ستة أشهر؛ لظهور عَوْده، وإن كانت ونَسَبوا ذلك إلى النصِّ، وأما القوليَّة، فمنْها القذْفُ، ولا بدّ من التوبة عنْه بالقول، كما أن التوبة عن الرِّدَّة بكلمتَي الشهادة، قال الشَّافعيُّ -رضي الله عنه- وتوبةُ القاذِفِ إكذابُهُ نفْسَه، فأخذ الإِصطخريُّ بظاهره وشَرَط أن يقول: كذبْتُ بما قذفته به، ولا أعودُ إلَى مثله؛ لما رِوُيَ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"تَوْبَةُ الْقاذِفِ إِكْذَابُهُ نَفْسَه"(١) ويُحْكَى هذا عن أحمد -رحمه الله- وقال ابن أبي هريرة والجمهورُ -رحمهم الله- لا يكلَّفُ أن يقُولَ: كذبْتُ، فإنَّه قد يكون صادقاً فكيف نأمُرُه بأنْ يكَذْب، ولكن يقول: القذْفُ باطلٌ، وإني نادمٌ على ما فعلْتُ ولا أعود إلَيْه أو يقول: ما كنْتُ مُحِقّاً في قِذْفي، وقد تبتُ منْه، وما أشبه ذلك، والخبرُ محمولٌ على الرُجوع والإِقرار ببطلانِ ما صدَر منْه، فإنه نوعُ إكذاب، وكذلك لفظ الشافعيِّ -رضي الله عنه- وقد قَالَ عَقِيبَ ما حكَيناه: والتوبةُ منه أن يقُولَ: "القذفُ باطلٌ" كأنه جعل هذا اللفظ توبةً ولا فرْقَ في ذلك بين القذْف على سبيل السَّبِّ والإِيذاءِ وبيْن القذْفِ على صورة الشَّهَادة، إذا لم يتمَّ عدد الشُّهود، إن قلْنا: بوجوب الحدِّ على من شهد، فإن لم نوجِبْ، فلا حاجة بالشاهد إلى التوبة، ويشبه أن يشترط في هذا الإِكذابِ جريانُهُ بيْن يدَي القاضي، ثم إذا تاب
(١) قال الحافظ في التلخيص: لم أره مرفوعاً وفي البخاري معلقاً عن عمر: أنه قال لأبي بكرة: تب نقبل شهادتك، ووصله البيهقي كما سيأتي في آخر الباب، وفيهما أيضاً عن أبي الزناد قال: الأمر عندنا إذا رجع عن قوله، وأكذب نفسه، واستغفر ربه، قبلت شهادته.