للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَإِنْ ظَهَرَ لِلقَاضِي بَعْدَ الحُكْمِ أَنَّهُ قَضَى بِقَوْلِ عَبْدَيْنِ أَوْ كَافِرَينِ أَوْ صَبِيَّيْنِ نَقَضَ الحُكْمِ، وَإِنْ كَانَ بِقَوْلِ فَاسِقَيْنِ نَقَضَ أَيْضاً عَلَى أَظْهَرِ القَوْلَيْنِ، إِلاَّ أنْ يَفْسُقَ بَعْدَ الحُكْمِ فَلاَ يُقَدَّرُ اسْتِنَادُ الفِسْقِ إِلَى المَاضِي عَلَى أَصَحِّ الرَأْيَيْنِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا حكم القاضِي بشهادةِ اثنين، ثم بان له أنهما كانا عَبْدَيْنِ أو كافِرَيْن، أو صبِيَّيْنِ، أو امرأتَيْنِ، فينتقض حكمه، لأنه تيقَّن الخطأ في الحكْم، كما لو حكم باجتهاده، ثم بان النصُّ بخلافه، ولو تبيَّن لقاضٍ آخر أنه حكَمَ بشهادَتِهما، نفَضَ حكمه أيضاً، واعترض عليه بأنَّ العلماء اختلفوا في قَبُول شهادةِ العَبِيد، فلم ينقض الحكْم في محَلَّ الاختلاف والاجتهاد، وأجيب عنه بأنَّ الفرْضَ فيمن لا يعتقدُ الحكْم بشهادة العبْدَين وحكم بشهادة اثنين ظنَّهما حرَّيْن، ولا اعتداد بمثل الحكم، وأيضاً فإنَّما لا ينقض الحُكْم، إذا لم يخالف القياس الجليَّ، وهذا يخالفه، فإن العبد ناقص في الولايةَ، وسائرِ الأحكامِ، فكانت الشهادةُ في معناها، وإنْ بان أنه حكَم بشهادة فاسقَيْن، نصَّ في "المختصر" على أنه ينقض أيضاً (١)، قال المُزَنِيُّ: وقال في موضع آخر: إن المشهودَ عَلَيْه، إذا طلب الجرح مكَّنه منه، وأمْهَلَه مدةً قريبةً، فإنْ لم يأتِ بالجرح في المُدَّة وأتى به بعْدَها، لم يرد الحُكْم عنه، وهذا يُشْعِر بأنه لا تُقبل البينة القائمة على الفِسْق بعْد ذلك، فلا ينقض الحكم الأول، وللأصحاب فيها طريقان:

أشْهَرهُما: أن المسألة على قولَيْن، وبه قال ابنُ سُرَيْجٍ.

أحدُهُما: أنه لا ينقض الحكم الأول، فإِن فسقهم إنَّما يعرف ببينة تقوم عليه


= مستهيناً بها، وذلك ينافي الندم. واختار إمام الحرمين أنه لا يجب، ولا يلزم من ذكرها بلا ندم الاستهانة، بل قد يذكر، ويعرض عنها. قال القاضي: وإذا لم يجدد التوبة كان ذلك معصية جديدة، والتوبة الأولى صحيحة؛ لأن العبادة الماضية لا ينقضها شيء بعد فراغها، قال: فيجب تجديد توية عن تلك المعصية، وتجب توبة من ترك التوبة إذا حكمنا بوجوبها. قال الإِمام: وإذا أسلم الكافر، فليس إسلامه توبة عن كفره، وإنما توبته ندمه على كفره، ولا يتصور أن يؤمن ولا يندم على كفره، بل تجب مقارنة الإِيمان للندم على الكفر، ثم وزر الكفر يسقط بالإِيمان، والندم على الكفر بالإِجماع، هذا مقطوع، وما سواه من ضروب التوبة، فقبوله مظنون غير مقطوع به، وقد أجمعت الأمة على أن الكافر إذا أسلم وتاب عن كفره، صحت توبته، وإن استدام معاصي أخر، هذا كلام الإِمام، وهذا الذي قاله إن القبول مظنون هو الصحيح. وقال جماعة من متكلمي أصحابنا: هو مقطوع.
(١) قال في الخادم: صورة المسألة ما إذا كان الفسق ظاهراً غير مجتهد فيه فإن كان مجتهداً فيه كشرب النبيذ فلا خلاف أنه لا ينقض لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد، كذا قاله القاضي والبغوي أبو محمد الجويني في مختصره والغزالي في الخلاصة وأشار إليه الرافعي في أنهم نزلوا النص بالمنع على ما إذا شهد على فسق مجتهد فيه كشرب النبيذ.

<<  <  ج: ص:  >  >>